ومع أن ما كتبه الشاطبي يمثّل أساس موضوع مسالك الكشف عن مقاصد الشارع، إلّا أن دراسته -شأن الدراسات المؤسِّسة في كلّ العلوم- جاءت مجملة غير محيطة إحاطة كاملة بالموضوع فهي -مع إمكان اعتمادها أساسًا لدراسة هذا الموضوع- تبقى في حاجة إلى تفصيل، وتمحيص، وزيادة، وهو ما سعى إليه محمد الطاهر بن عاشور وآخرون بعد ذلك، ويسعى هذا المبحث إلى الإسهام فيه.

ومن أبرز ما يلاحظ على المسالك التي أوردها الشاطبي أنها مسالك جزئية قد لا تصلح لإستخراج المقاصد العامة والكلية، وإنما مجالها استخراج المقاصد الجزئية، اللهُمَّ إلّا المسلك الأول، وهو تبيُّن قصد الشارع من مجرد الأمر والنهي الواردين في ظواهر النصوص الشرعية؛ إذْ يمكن استخدامه في استخراج بعض المقاصد العامة والكلية، خاصة إذا تعلق الأمر بالآيات التي نصّت على مبادئ تشريعية كلّية، وبجوامع الكَلِم من السنّة، أما المسالك الأخرى فإنه لا يمكن استخدامها في استخراج المقاصد العامة والكلية إلّا إذا أضيف إليها عنصر الاستقراء.

والغريب أن الإمام الشاطبي مع كونِ عمدته الأساسية في الكشف عن مقاصد الشارع تمثلت في الاستقراء، وقد سارع إلى بيان ذلك منذ خطبة الكتاب، حيث يقول: " ... لم أزل أقيّد من أوابده، وأضمّ من شوارده، تفاصيل وجملاً، وأسوق من شواهده، في مصادر الحكم وموارده، مبينًا لا مجملاً، معتمدًا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية ... "، (?) وأعطاه مكانة بارزة لم يعطها له أحد من علماء الشريعة قبله، إلّا أنه عندما جاء إلى بيان المسالك التي تُعرف بها المقاصد أهمل بالكلية هذا المسلك، ولم يورد له ذكرا.

وإذا نظرنا إلى ما كتبه الشاطبي من الناحية المنهجية، فإنه يمكن القول إنه كان على الشاطبي أن يصدَّر كتاب الموافقات ببيان هذه المسالك، ذلك أن من مقتضيات التأليف والبحث المنهجيين أن يصدَّر المؤلَّف مؤلَّفَه ببيان الوسائل والمناهج التي سيعتمدها في بحثه، فكان الأجدر بالشاطبي -قبل أن يشرع في بيان واستخراج مقاصد الشارع- أن يبيَّن منهجه في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015