ثم انتقل إلى الحديث عن تلك المسالك، فذكر منها أربعة: (?)

الأول: مجرّد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي؛ فالأمر دالّ بذاته على قصد الشارع إلى إيقاع المأمور به، والنهي كذلك دالّ بذاته على قصد الإنتهاء عن المنهي عنه.

وتقييد كلًّ من الأمر والنهي بوصف الصراحة يُقصَدُ منه الإحتراز من الأمر أو النهي الضمني، كالنهي عن أضداد المأمور به؛ إذ الأمر بالشيء يتضمن النهي عن كلّ ما يحول دون تحصيل ذلك المأمور به، والأمر الذي يتضمنه النهي عن الشيء؛ فإن النهي عن الشيء قد يتضمن الأمر بإيقاع ضده، ولكن كلاّ منهما غير مقصود بالقصد الأول، وإنما هو تابع لصريح الأمر أو النهي ومُتَضَمَّن فيهما، وقد لا يكون مقصودًا للآمر أو الناهي تحصيلهما، خاصة في حال إمكان انفكاك أحدهما عن الآخر.

والأمر أو النهي الصريح مُتَّفَق على كون الأمر أو النهي فيه مقصودًا للآمر أو الناهي، أما ما يمكن أن يتضمنه الأمر أو النهي من معاني ومقاصد فهو غير ظاهر في ذلك، ويحتاج في التعرف على كون 5 مقصودًا أو غير مقصود إلى قرائن وشروط أخرى، وهو مُدْرَج ضمن ما يحتاج في فهمه إلى معرفة ما يحفّ به من قرائن، وما ورد فيه من سياق للتأكد من كونه مقصودًا للشارع أو غير مقصود.

أما تقييدهما بالإبتداء فهو احتراز من الأمر أو النهي الذي قُصِدَ به غيره؛ وهو ما كان وسيلة إلى تحقيق مقصد أو خادمًا له. ومثّل له الشاطبي بقول الله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، "فإن النهي عن البيع ليس نهيًا مبتدأً، بل هو تأكيد للأمر بالسعي، فهو من النهي المقصود بالقصد الثاني، فالبيع ليس منهيًّا عنه بالقصد الأول، كما نهي عن الربا والزنى مثلاً". (?)

ولكن هذا وإن لم يكن مقصودًا بالقصد الأول فهو مع ذلك يبقى مقصدًا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015