وسكن بغداد، وحدّث بها1. وقدمها المحدّث أحمد بن محمد أبو بكر الدرهمي، وقدم منها إلى بغداد2.
وتوفي بها مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وكان ممن حدّث ببغداد3، ومحمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري المحدث. وكان غزاءً من شجعان الناس4.
واشتهرت طرسوس كسائر أمصار الإسلام بالربط، وكانت تتخذ ملجأ للفقراء، والزهاد، ومنازل للعلماء، والطلاب الراحلين لطلب العلم أو نشره، ومكاناً لتعليم القرآن الكريم، والحديث، والوعظ. وتخرج الدعاة والمجاهدين. وقد عجّت المدينة بالمرابطين الغزاة والصالحين، الذين وردوها محتسبين لله، وتحملوا عبء الجهاد، وحملوا شرفه إلى جانب أهل طرسوس المرابطين. اذكر منهم إلى جانب من ذكرنا:
ابن القاصّ الطبري- أبو العباس أحمد بن أبي أحمد، فقيه طبرستان، صنف كتباً كثيرة صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة. وكان يعظ الناس، وضرب بنفسه المثل، فسافر إلى طرسوس، وأصبح فقيهها، وتوفي مرابطاً بها. وكان يملي الحديث على تلاميذه، بالمسجد الجامع5.
ووردها إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف6. وعبد الله بن المبارك الذي كان كثير الاختلاف إلى طرسوس7 وأظهر فيها من ضروب الشجاعة في الجهاد، وأملى عام 177 هـ قصيدته المشهورة بطرسوس على محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، وأنفذها معه إلى الفضيل بن عياض وفيها:
ياعابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضّب
أو كان يتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
رهج السنابك والغبار الأطيب
والقرآن أتانا من مقال نبيّنا
قول صحيح صادق لا يكذب