كل ذلك يُشير إلى الروح الصليبية التي كانت تحرّك نقفور، وهذا وسيف الدولة حي يرزق بميافارقين، والملوك من المسلمين كل واحد مشغول بمحاربة جاره من المسلمين، وعطّلوا فرض الجهاد كما قال ياقوت1 وابن كثير2.
ولم تغب أهمية طرسوس عن نقفور، فعزم على المقام بها وعمرها، ليكون أقرب إلى بلاد المسلمين ثم بدا له فعاد إلى عاصمته القسطنطينية3. وبقيت طرسوس قاعدة للروم للغارة على بلاد الإسلام براً وبحراً.
ولما سقطت طرسوس اضطربت بلاد الشام، وقام أهل أنطاكيا بطرد نائب سيف الدولة، وعينوا مكانه رشيقا النسيمي الذي خرج من طرسوس. وأعلنوا أنه لا مقام لهم بعد طرسوس. فقام الأمير رشيق بمكاتبة الروم، ودفع لهم 400 ألف دينار في السنة. واستمرت أنطاكيا تعاني المأساة إلى أن سقطت أيضا في كارثة إسلامية أخرى عام 359 هـ بيد الروم4. وكذلك سقطت في العام نفسه ملازكرد في آسيا الصغرى. وخاف المسلمون الروم في أقطار البلاد، وأصبحت كلها سائبة، لا تمتنع عليهم يقصدون أيها شاءوا5.
ومن أثر سقوط طرسوس أيضا أن قوي أمر أبي عبد الله بن الداعي ببلاد الديلم.
وكتب إلى الآفاق حتى إلى بغداد، يدعو إلى الجهاد في سبيل الله لمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم6. فوجدت دعوته صدىً.
وبسقوط طرسوس انطوت صفحة رائعة من صفحات الجهاد الإسلامي في آسيا الصغرى، وبقيت طرسوس بيد الروم، إلى أن عادت إلى تبعية البلاد الإسلامية علي يد مليح بن ليون الأرمني عام 568 هـ الذي خدم نور الدين زنكي7. ثم أخذت وضعها الإسلامي الصحيح علي يد العثمانيين، الذين أعادوا المدّ الإسلامي إلى بلاد الأناضول. وأصبحت آسيا الصغرى على أيديهم من أهم بلاد الإسلام.