. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِهِ نَوْعَ اعْتِرَاضٍ وَمُرَاغَمَةٍ لِلْمَقْدُورِ الْمَحْتُومِ فَإِنْ قُلْت، وَسَائِرُ الْأَدْعِيَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا إمَّا مُقَدَّرَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي سُؤَالِهَا لِوُقُوعِهَا لَا مَحَالَةَ أَوْ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَفِي سُؤَالِهَا اعْتِرَاضٌ، وَمُرَاغَمَةٌ لِلْقَدَرِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الدُّعَاءِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، قُلْت: إمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالْأُمُور الْأُخْرَوِيَّة فَفِيهِ إظْهَارُ الِافْتِقَارِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ وَالِاحْتِيَاجِ.
وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا احْتِيَاجَ لِلْعَبْدِ إلَيْهَا، وَظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا، وَقَدْ تَكُونُ قُدِّرَتْ لَهُ إنْ دَعَا بِهَا دُونَ مَا إذَا لَمْ يَدْعُ بِهَا فَالْأَسْبَابُ مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ الْمُسَبِّبَاتِ مُقَدَّرَةٌ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ طَلَبِ إزَالَةِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْفَوَائِدِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ.
(الثَّالِثَةُ) أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَالدُّعَاءِ بِهِ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْأَعْمَالِ بِالْمَوْتِ فَفِي الْحَيَاةِ زِيَادَةُ الْأُجُورِ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَال، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا اسْتِمْرَارُ الْإِيمَانِ فَأَيُّ عَمَلٍ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إيمَانٌ بِاَللَّهِ فَبَدَأَ بِهِ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُسْلَبُ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قُلْت إنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ خَاتِمَةُ السُّوءِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ طَالَ عُمُرُهُ أَوْ قَصُرَ، وَإِنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فَزِيَادَةُ عُمُرِهِ زِيَادَةٌ فِي حَسَنَاتِهِ، وَرَفْعٌ فِي دَرَجَاتِهِ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «جَلَسْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَّرَنَا، وَرَقَّقَنَا فَبَكَى سَعْدٌ فَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ فَقَالَ يَا لَيْتَنِي مِتُّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَعْدُ أَعْنَدِي تَتَمَنَّى الْمَوْتَ؟ فَرَدَّدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ يَا سَعْدُ إنْ كُنْت خُلِقْت لِلْجَنَّةِ فَمَا طَالَ مِنْ عُمْرِك أَوْ حَسُنَ مِنْ عَمَلِك فَهُوَ خَيْرٌ لَك» .
فَإِنْ قُلْت فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا فَقَدْ يَزِيدُهُ شَرًّا بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ قُلْت إنْ حُمِلَ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ الْإِيمَانِ فَوَاضِحٌ فَإِنَّ ذَاكَ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ إلَّا خَيْرٌ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْمُؤْمِنِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْمُخَلِّطَ فَهُوَ أَيْضًا لَا يَزِيدُهُ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا لِكَثْرَةِ الْمُكَفِّرَاتِ، وَالْمُضَاعَفَةِ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَمَا دَامَ مَعَهُ أَصْلُ الْأَعْمَالِ فَحَسَنَاتُهُ مَقْبُولَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَسَيِّئَاتُهُ مَحْفُوفَةٌ بِالْمُكَفِّرَاتِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَّا الْيَسِيرُ يَمْحُوهُ الْكَرْمُ الْمَحْضُ، وَالْعَفْوُ الْعَظِيمُ فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ