. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ زَنَا مَثَلًا، ثُمَّ قُطِعَ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ غَيْرُ النَّدَمِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الزِّنَا.
وَأَمَّا الْعَزْمُ وَالْإِقْلَاعُ فَغَيْرُ مَقْصُودَيْنِ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّوْبَةُ مِنْ الزِّنَا صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ إجْمَاعًا وَبِهَذَا اغْتَرَّ مَنْ قَالَ إنَّ النَّدَمَ يَكْفِي فِي حَدِّ التَّوْبَةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ نَدِمَ، وَلَمْ يُقْلِعْ وَعَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ تَائِبًا اتِّفَاقًا وَلَمَّا فَهِمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ هَذَا حَدَّ التَّوْبَةَ بِحَدِّ آخَرَ فَقَالَ. هِيَ تَرْكُ اخْتِيَارِ ذَنْبٍ سَبَقَ مِنْك مِثْلُهُ حَقِيقَةً، أَوْ تَقْدِيرًا لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا أَشَدُّ الْعِبَارَاتِ وَأَجْمَعُهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّائِبَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلذَّنْبِ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الذَّنْبَ الْمَاضِيَ قَدْ وَقَعَ وَفَرَغَ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ تَرْكُهُ إذْ هُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ عَيْنِهِ لَا تَرْكًا وَلَا فِعْلًا وَإِنَّمَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مِثْلِهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ زِنًا آخَرُ مَثَلًا فَلَوْ جُبَّ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ تَرْكُ الزِّنَا بَلْ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَقْدِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الزِّنَا تَرَكَهُ، فَلَوْ قَدَّرْنَا مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَنْبٌ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إلَّا اتِّقَاءُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَا تَرَكَ مِثْلُ مَا وَقَعَ فَيَكُونُ مُتَّقِيًا لَا تَائِبًا انْتَهَى.
فَيُزَادُ فِي التَّوْبَةِ رُكْنٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ، وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ التَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ النَّدَمُ عَلَيْهِ رِعَايَةً لَحِقَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَكَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ التَّصْرِيحَ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَأَنَّهُمْ مَثَّلُوهُ بِمَا إذَا قَتَلَ وَلَدَهُ وَنَدِمَ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ وَبِمَا إذَا بَذَلَ الشَّحِيحُ مَالًا فِي مَعْصِيَةٍ وَنَدِمَ لِأَجَلِ غَرَامَةِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِآدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ خَامِسٍ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ تِلْكَ الْمَظْلِمَة قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ الْخُرُوجُ عَنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ قَالَ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى كَمَالِهَا وَتَمَامِ أَمْرِهَا لَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ (قُلْتُ) وَلَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ الْخُرُوجَ عَنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ مُطْلَقًا بَلْ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ وَبِتَقْدِيرِ إرَادَتِهِ الْخُرُوجَ عَنْهَا مُطْلَقًا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسَةُ) فِيهِ قَبُولُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْبَةَ الْعَبْدِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعَبِّرِ شَرْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَوْبَةُ الْكَافِرِ مِنْ كُفْرِهِ