. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَامِلُ بِذَاتِهِ الْغَنِيُّ بِوُجُودِهِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ وَلَا قُصُورٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْفَرَحَ عِنْدَنَا لَهُ ثَمَرَةٌ وَفَائِدَةٌ، وَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَفْرُوحِ بِهِ وَإِحْلَالُهُ الْمَحَلَّ الْأَعْلَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَعَبَّرَ عَنْ ثَمَرَةِ الْفَرَحِ بِالْفَرَحِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي تَسْمِيَتِهَا الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ، أَوْ كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ وَذَلِكَ الْقَانُونَ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَى وَالضَّحِكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى.

(الثَّالِثَةُ) ذَكَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ضَرْبِ هَذَا الْمَثَلِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مُطْلَقِ وِجْدَانِ ضَالَّتِهِ فَقَالَ «اللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتَهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ، وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَاَللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ» وَهَذَا زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ لِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَوْبَتِهِ وَقَبُولِهَا.

[فَائِدَة حَقِيقَة التَّوْبَةُ وَأَرْكَانهَا] 1

(الرَّابِعَةُ) التَّوْبَةُ لُغَةً الرُّجُوعُ يُقَالُ تَابَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَثَابَ بِالْمُثْلَةِ وَآبَ وَأَنَابَ بِمَعْنَى رَجَعَ وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ هُنَا الرُّجُوعُ عَنْ الذَّنْبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّوْبَةُ أَوَّلُ الدَّرَجَاتِ وَكَأَنَّهَا الْإِقْلَاعُ وَالْإِنَابَةُ بَعْدَهَا وَالْأَوْبَةُ أَعَزُّهَا وَهِيَ دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ يُفَسِّرُ التَّوْبَةَ بِالنَّدَمِ وَبِهِ عَبَّرَ كَثِيرُونَ وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَالْأَكْثَرُونَ جَمَعُوا بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَقَالُوا إنَّ لِلتَّوْبَةِ أَرْكَانًا الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا أَكْمَلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّرْكِيبِ الْمَحْذُورِ فِي الْحُدُودِ غَيْرُ مَانِعٍ وَلَا جَامِعٍ، بَيَانُ.

(الْأَوَّلُ) : أَنَّهُ قَدْ يَنْدَمُ وَيُقْلِعُ وَيَعْزِمُ وَلَا يَكُونُ تَائِبًا شَرْعًا إذْ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ شُحًّا عَلَى مَالِهِ أَوْ لِئَلَّا يُعَيِّرَهُ النَّاسُ بِذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] وَأَمَّا (الثَّانِي) فَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015