مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُك قَوْمُك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُك أَنْصُرْك نَصْرًا مُؤَزَّرًا» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَاوَرْت بِحِرَاءَ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَلِابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلُو فِي حِرَاءَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا» ..
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى الْإِلْهَامِ كَالْوَحْيِ إلَى النَّحْلِ، وَبِمَعْنَى الْإِشَارَةِ {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] وَقِيلَ فِي هَذَا إنَّهُ كَتَبَ وَبِمَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} [المائدة: 111] قِيلَ أَمَرْتهمْ وَقِيلَ أَلْهَمْتهمْ انْتَهَى.
وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهُ مَرَاتِبَ عَدِيدَةً جَمَعَهَا السُّهَيْلِيُّ فِي (الرَّوْضِ الْأُنُفِ) سَبْعَةً:
(أَحَدُهَا) الرُّؤْيَا كَمَا ذَكَرْته.
(الثَّانِي) أَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ الْكَلَامَ نَفْثًا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} [الشورى: 51] هُوَ أَنْ يَنْفُثَ فِي رُوعِهِ بِالْوَحْيِ.
1 -
(الثَّالِثُ) أَنْ يَأْتِيَهُ الْوَحْيُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لِمُتَجَمَّعِ قَلْبِهِ عِنْدَ تِلْكَ الصَّلْصَلَةِ فَيَكُونُ أَوْعَى لِمَا يَسْمَعُ.
(الرَّابِعُ) أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَقَدْ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ.
(الْخَامِسُ) أَنْ يَتَرَاءَى لَهُ جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِيهَا لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
(السَّادِسُ) أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ إمَّا فِي الْيَقِظَةِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَإِمَّا فِي النَّوْمِ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى»