الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَصِيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ؛ فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ أَيْ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيك، فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تُدْرِكْ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَتَكُونُ سَمِعَتْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (قُلْت) إنَّمَا أَرْسَلَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - صَدْرَ الْحَدِيثِ ثُمَّ صَرَّحَتْ بِرِوَايَةِ بَاقِيهِ وَهُوَ أَكْثَرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهَا، «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ» (فَإِنْ قُلْت) قَدْ عَادَتْ إلَى الْإِرْسَالِ مِنْ قَوْلِهَا فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ؟ (قُلْت) بَلْ هِيَ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الرَّفْعِ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ قَالَ «فَرَجَعَ بِهَا» ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ قَالَ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى عَائِشَةَ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَنَّثَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى بِهِ بِلَفْظِ الْغَائِبِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ قَالَ زَيْدٌ إنَّهُ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] وَالْوَحْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكِتَابِ وَالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْإِلْهَامِ وَالْكَلَامِ الْخَفِيِّ وَكُلِّ مَا أَلْقَيْته إلَى غَيْرِك ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ أَصْلُهُ الْإِعْلَامُ فِي خَفَاءٍ وَسُرْعَةٍ ثُمَّ هُوَ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى ضُرُوبٍ فَمِنْهُ سَمَاعُ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ، وَوَحْيُ رِسَالَةٍ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ، وَوَحْيٌ يُلْقَى بِالْقَلْبِ، وَالْوَحْيُ إلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ