وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح عُثْمَان بن أَحْمد كَانَ رجلا فَاضلا نحويا حسن الْقِرَاءَة دأبه النساخة ومعظم قوته مِنْهَا وأصل بَلَده تهَامَة من قَرْيَة السَّلامَة وَكَانَ ذَا عبَادَة وورع وزهد دأبه الِاشْتِغَال بِعلم الْقُرْآن ثمَّ بتعليمه متنزها عَن الشُّبُهَات فِي المطعومات والملبس أخبر الثِّقَة عَنهُ أَنه صَامَ فِي بعض الْأَيَّام وعزم أَن لَا يفْطر إِلَّا بِشَيْء يقطع بحله وَعدم الشُّبْهَة فِيهِ فَلَمَّا حَان وَقت الْإِفْطَار أَدَّاهُ اجْتِهَاده على جمع شَيْء من الشّجر ليفطر بِهِ فَجَمعه وعزم على أكله فَكَرِهته نَفسه وَلم تطاوعه على ذَلِك ووقف إِلَى وَقت الْعشَاء فَسمع حَرَكَة فِي بَابه فَإِذا رجل مَعَه شَيْء من الْعَيْش فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِفَتْح الْبَاب فَفتح فَنَاوَلَهُ صَحْفَة فِيهَا قوت من الْقَمْح وَعَلِيهِ شَيْء من الأدام وَقَالَ يَا مقرىء هَذَا شَيْء مَقْطُوع بحله فكله ثمَّ ذهب ذَلِك الرجل فَأتبعهُ بَصَره ليعرفه فَلم يجده وَلَا عرفه فَأكل المقرىء ذَلِك الْعَيْش
وَكَانَ هَذَا المقرىء ملازما للتواضع والخشوع مَعَ سهولة خاطره وسلامة صَدره ورتب إِمَامًا فِي الْمدرسَة الجلالية ثمَّ انْفَصل عَنْهَا ووقف مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَيْهَا وَتُوفِّي على الْحَال المرضي بعد انْتِفَاع جمَاعَة من الطّلبَة على يَده وَظُهُور النَّفْع بِهِ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالمحطة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الْبَاقِي بن عَليّ الزبيدِيّ كَانَ أحد الأخيار الصَّالِحين والفضلاء العابدين متمثلا وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ كن فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيب أَو عَابِر سَبِيل فَكَانَ كثير الصّيام طَوِيل الْقيام خامل الذّكر قَلِيل الْكَلَام فِيمَا لَا يعنيه لَا ترَاهُ ضَاحِكا وَلَا متضاحكا كَأَن النَّار بَين يَدَيْهِ وَالْقِيَامَة نصب عَيْنَيْهِ دأبه تعلم الْقُرْآن وتعليمه وَالِاعْتِكَاف فِي الْمَسَاجِد وَلبس غير