فحجا وزارا قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رجعا إِلَى بلدهما فتذاكرا حجهما فَقَالَ الإِمَام رَضِي الدّين على البديهة شعرًا
(يَا لَيْت وَالله لنا كرة ... نجدد الْعَهْد بِأم الْقرى)
فَقَالَ وَلَده الْفَقِيه جمال الدّين
(وَبعدهَا نثني إِلَى طيبَة ... نجدد الْعَهْد بعالي الذرا)
(فنسأل الله تَعَالَى بِمَا ... أنزل فِي الْكتب وَمن قد قرا)
فَقَالَ وَالِده
(يوفق الْكل لمرضاته ... وَيغْتَفر للْكُلّ مَا قد جرى) فَقَالَ وَلَده
(وصل مَا هبت ريَاح الصِّبَا ... على الْمُصْطَفى خير من قد يرى)
أَقَامَ الإِمَام رَضِي الدّين وَولده الْفَقِيه جمال الدّين وَبَاقِي أَوْلَاده فِي أهنى عَيْش وألذه مكانهم مأوى للصادر والوارد لطلب الْعلم ولطلب الدُّنْيَا إِلَى أَن اتّفق فِي بعض الْأَيَّام مَا رَأَيْته مسطورا بِخَط القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي قَالَ أَخْبرنِي الإِمَام رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر الأصبحي وَولده عفيف الدّين أَن الْفَقِيه جمال الدّين ولد الإِمَام رَضِي الدّين الْمَذْكُور ابْتَدَأَ بِهِ الْمَرَض فَأتيَا إِلَيْهِ يعودانه فَقَالَ لَهما إِنِّي خرجت ذَات لَيْلَة أُرِيد صَلَاة الصُّبْح مَعَ جمَاعَة فِي الْمدرسَة بشنين فَلَمَّا وصلت بَاب الْمدرسَة الْأَوْسَط إِذْ أَنا بطائرين على الْبَاب أَحدهمَا ابيض شَدِيد الْبيَاض وَالثَّانِي أَخْضَر فَقَالَ لي أَحدهمَا السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله قَالَ فَقلت وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقَالَ الطَّائِر لَا إِلَه إِلَّا الله فَقلت لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ سكت وَقَالَ الطَّائِر الثَّانِي السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقلت وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ إِن الطَّائِر الْأَبْيَض نكس رَأسه إِلَى الأَرْض كَأَنَّهُ مشتغل