واختص بشرف النَّفس وعلو الهمة وَسُرْعَة الْحِفْظ وَوصف بالذكاء وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام الْجَزرِي ومدحه ببيتين بعد أَن سَأَلَهُ السُّلْطَان النَّاصِر من رَأَيْت كَامِلا من عُلَمَاء الْيمن فَقَالَ

(إِن الإِمَام فَتى الْخياط أفضل من ... رَأَيْت فِي الْيمن الفيحاء من رجل)

(قل عَنهُ واسمع بِهِ وَانْظُر إِلَيْهِ تَجِد ... ملْء المسامع والأفواه والمقل)

وَهَذَا أبلغ شَاهد على فضل الإِمَام جمال الدّين

وعَلى الْجُمْلَة فقد فاق أهل زَمَانه وأربى على أقرانه يحفظ بِقِرَاءَة الْمرة الْوَاحِدَة أَكثر مَا يقْرَأ وَيسمع ويستحضر مُعظم مَا يطالع فيجريه على لِسَانه كالسيل الْوَارِد وَله تدقيق عَجِيب واعتراضات لَازِمَة على شَيْء من المصنفات من ذَلِك أَنه وَصله سُؤال من مَدِينَة زبيد مضمونه أَن الْفُقَهَاء اخْتلفُوا كم بنيت الْكَعْبَة المشرفة مَرَّات فأجابهم بِجَوَاب شاف أظهر فِيهِ الدَّلَائِل على صِحَة بنائها إِحْدَى عشرَة مرّة وَذكر من بناها وَجعل فِي ذَلِك مصنفا سَمَّاهُ عين التَّحْقِيق فِي عدد بِنَاء الْبَيْت الْعَتِيق وَقَالَ فِي آخِره جمعت ذَلِك فِي لحظات يَوْم من يَوْم وَاحِد وَاتفقَ بَينه وَبَين فُقَهَاء الْبَلَد اخْتِلَاف فِي فَتْوَى وَهِي أَن امْرَأَة اتّفقت هِيَ وَرجل على أَن يَتَزَوَّجهَا بعد أَن رغبته بنكاحها حَتَّى قَالَت لَهُ تزوج عَليّ وَعلي نذر لله إِن نكحتني وَكتب الله بَيْننَا فراقا أَبْرَأتك من مهري فَهَل يلْزمهَا الْوَفَاء بِالنذرِ إِذا فَارقهَا فَأجَاب بَعضهم بِلُزُوم الْوَفَاء وَبَعْضهمْ بِعَدَمِ صِحَة النّذر فصنف الإِمَام جمال الدّين تصنيفه يَقْتَضِي صِحَة النّذر وَلُزُوم الْوَفَاء بذلك وَأقَام الدَّلِيل عَلَيْهِ وَقد ذكرت بعض ذَلِك فِي الأَصْل مَعَ زِيَادَة فَوَائِد وقصائد من كَلَام الإِمَام جمال الدّين رَحمَه الله وَغَيره وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَلم يكن لَهُ من الْأَوْلَاد من يسْتَحق الذّكر وَتَفَرَّقَتْ كتبه الَّتِي جمعهَا واجتهد بتحصيلها وضبطها وَذَلِكَ زِيَادَة على سبعمئة مُجَلد فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015