أن السلطان الملك العادل تغمده الله برحمته، إنما فعل ذلك إعزازا للدّين، ونصرة للحقّ، ونحن نحكم بالظاهر، والله يتولّى السرائر، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

فلما وقف الأشرف على جوابه اشتد غضبه وبعث إليه بالغرس خليل أستاداره، فبلغه غضب السلطان مما وقف من مخاطبته بما لا يعهده من مخاطبة الناس للملوك، مع ما ذكره من مخالفة اعتقاده، وأنه شرط أنه لا يفتي، ولا يجتمع بأحد، ويلزم بيته، فأظهر البشر لذلك، وخلع على الغرس سجادة كان يصلي عليها، فبقي على هذا ثلاثة أيام.

واجتمع الجمال الحصيريّ شيخ الحنفية بالسلطان، وحدثه في أمر ابن عبد السلام فأوقفه على ورقته، فقال: هذا اعتقاد المسلمين، ومن خالف وذهب إلى إثبات الحرف والصوت فهو حمار، وما زال به حتى بعث إلى الشيخ يحايله وتقدم إلى الفريقين بالإمساك عن الكلام في مسألة الكلام وأن لا يفتي فيها أحد بشيء.

فلما قدم السلطان الملك الكامل من القاهرة إلى دمشق، وكان على رأي الأشعري، أكرم ابن عبد السلام وطلب منه أن يكتب له ما جرى في هذه القضية بطوله، فأمر ولده عبد اللطيف بذلك فكتبه وأعجب به الكامل، وعتب أخاه الأشرف على منعه ابن عبد السلام من الكلام في مسألة الكلام، وعنفه على ميله للحنابلة، فأخذ الأشرف في طلب مصنّفات الشيخ وقرئ عليه منها كتاب «الملحة في اعتقاد الحق» وكتاب «مقاصد الصلاة» وكرر قراءته في يوم واحد ثلاث مرّات، فلما بلغ ذلك ابن عبد السلام قال: لو

قرئت «مقاصد الصلاة» على بعض مشايخ الزّوايا أو على متزهّد أو مريد أو متصوف مرّة واحدة، في مجلس، لما أعادها فيه مرّة أخرى، فاشتهر كتاب «مقاصد الصلاة» بدمشق وكتب منه عدة نسخ، فلما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015