يكن يؤذن بين يديه يوم الجمعة إلا مؤذن واحد، وكان المؤذنون يقولون بعد المكتوبة الآية في الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فأرشدهم أن يقولوا: لا
إله إلا الله، وحده لا شريك له، الحديث في صحيح مسلم عن عبد الله بن الزبير، ولحديث المغيرة في الصحيح.
ولما سلم الملك الصالح إسماعيل بن العادل قلعة السقيف صدف للفرنج، فساء ذلك المسلمين، فنال منه الشيخ عز الدين على المنبر، ولم يدع له، فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه فبرح إلى الديار المصرية هو والشيخ كمال الدين بن الحاجب، فتلقاه الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر، وأكرمه واحترمه، واتفق موت قاضي القضاة شرف الدين عين الدولة، فولى السلطان مكانه القاضي بدر الدين السخاوي، وفوض قضاء مصر والوجه القبلي إلى الشيخ عز الدين مع خطابة جامع مصر، فقام بالمنصب أتم قيام، وتمكن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى اتفق أن بعض الأمراء بنى مكانًا
للطبلخاناه على سطح مسجد، فأنكر ذلك الشيخ عز الدين، وذهب بنفسه فأضربه وعلم أن هذا يشق على الوزير، فحكم بفسق الوزير، وعزل نفسه عن القضاء، فلما بلغ ذلك حاشية الملك شق عليهم، وأشاروا على الملك أن يعزله عن الخطابة لئلا يتعرض لسب الملك على المنبر، فعزله ولزم بيته يشغل الناس ويدرس، وذكروا أنه لما مرض مرض الموت بعث إليه الملك الظاهر يقول له: من في أولادك يصلح لوظائفك؟ فأرسل: ليس فيهم من يصلح لشيء منها فأعجب السلطان ذلك، ولهذا لما مات حضر جنازته بنفسه والعالم من الخاصة والعامة، وكان يومًا مشهودًا، وكان ذلك