وقال ابن أبي حاتم: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي: ثنا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري، قال: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث، فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، رضي الله عنه، وحجته أثبت شيء فيه، ثم قال: قلت للشافعي: وما تقول في مسألة كذا وكذا؟ قال: فأجاب فيها، فقلت: من أين قلتها؟ هل فيه كتاب، أو حديث؟ قال: بلى، فنزع في ذلك حديثا للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث نص، وروى البيهقي عن المروزي أنه سمع أحمد يقول: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي،
لأنه إمام عالم من قريش ويروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علما» ، وسيأتي هذا مسندا، وقال الخطيب: حدثني الحسن بن أبي طالب، حدثني علي بن عمر التمار، ثنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثوني عن إبراهيم الحربي، أنه قال: قال أستاذ الأستاذين، قالوا: من هو؟ قال: الشافعي، أليس هو أستاذ أحمد بن حنبل، وقال الحاكم النيسابوري: سمعت الفقيه أبا بكر محمد ابن علي الشاشي، يقول: دخلت على ابن خزيمة وأنا غلام، فقال: يا بني، على من درست الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: على من درس؟ قلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من
كتب مستعارة، فقال بعضهم: أبو الليث هذا مهجور بالشاشي فإن البلد للحنابلة، فقال ابن خزيمة: وهل كان ابن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا أحمد بن عثمان النحوي، سمعت أبا فديك الكسائي، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إليَّ من كتب الشافعي ما يدخل حاجتي فوجه إلي بكتاب الرسالة.
قال: وثنا أبو زرعة، قال: بلغني أن إسحاق بن راهويه كتب له كتب الشافعي، فتبين في كلامه أشياء قد أخذه عن الشافعي، وقد جعله لنفسه، قال أبو زرعة: ونظر أحمد بن حنبل في كتب الشافعي.
قال ابن أبي حاتم: وثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري، قال: تزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي وتوفي، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي، رضي الله عنه، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي والجامع الصغير على جامع الثوري الصغير، قال: وأخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي قال: قال أبو ثور: كنت أنا، وإسحاق بن راهويه، وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة من العراقيين، ما تركنا بدعتنا حتى رأينا الشافعي، رضي الله عنه.
وحدثنا أبو عبد الله الفسوي، عن أبي ثور، قال: لما ورد الشافعي، رضي الله عنه، العراق جاءني حسين بن علي الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه فقم بنا نسخر به، فقمت وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة فلم يزل الشافعي، رضي الله عنه، يقول: قال الله، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أظلم علنا البيت، وتركنا بدعتنا واتبعناه، وقال داود بن علي الأصبهاني الظاهري، وله كتاب فضائل الشافعي، رضي الله عنه: قال لي إسحاق بن راهويه: ذهبت أنا، وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة، فسألته عن أشياء، فرأيته رجلا
فصيحا حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد كان أوتي فهما في القرآن لو كنت عرفته للزمته، قال داود: فرأيته يتأسف على ما فاته من الشافعي، رضي الله عنه، قال داود: عبد العزيز المكي، أحد من له فهم بالقرآن، كان أحد أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، وممن أخذ عنه، رواه ابن عساكر.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، يقول: كتبت كتب الشافعي من الربيع أيام يحيى بن عبد الله بن بكير سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعندما عزمت على سماع كتب الشافعي بعت ثوبين رقيقين كنت حملتهما لأقطعهما لنفسي فبعتهما، وأعطيت الوراق، قال: وسمعت أبي، يقول: قال لي أحمد بن صالح: تريد أن تكتب كتب الشافعي؟ قلت: نعم لا بد أن أكتبها فهذه أسانيد جيدة تدل على أن كلا من هؤلاء الأئمة رحمهم الله حذا حذوه، واتبع أثره، وسلك مسالكه في النظر والاستنباط، فإذا عد العاد قول أبي ثور، والحسين بن علي الكرابيسي، والمزني، وابن خزيمة، وابن المنذر، وأضراب هؤلاء وجوها في مذهب
الشافعي، رضي الله عنه، جاز أن يقال مذهب الإمام أحمد يعد وجها في مذهب الشافعي، رحمه الله، فإنه قد ذكره جماعة من العلماء معدودا من جملة أصحاب الشافعي، منهم: أبو داود السجستاني، داود بن علي الظاهري، والحربي، وأبو إسحاق الشيرازي في الطبقات، وكذا قول إسحاق بن راهويه، كما ذكروا قول ابن خزيمة، وابن المنذر، وابن سريج وغيرهم من أئمة المذهب وجوها في المذهب يعني أنها معتبرة في مذهب الشافعي، فللحاكم أن يحكم بها، وللمفتي أن يفتي بها، لأنها مؤصلة على تأصيل الشافعي، ومأخوذة من طريقته في الاستنباط، فإنه قد نص في غير موطن على أنه إذا صح الحديث فهو مذهبه، وقال
للإمام أحمد: أنتم أعلم بالحديث منا، فإذا صح الحديث أعلمني به أذهب إليه حجازيا كان، أو عراقيا، أو شاميا، أو يمينا، وسيأتي ذكر هذا كله في موضعه، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة.
وقال البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الذبياني، سمعت أبا الهبير سهل بن عبد الصمد الرقي، سمعت داود بن علي هو الأصبهاني، يقول: اجتمع للشافعي، رضي الله عنه، من الفضائل ما لم يجتمع لغيره، فأول ذلك شرف نسبه ومنصبه، وأنه من رهط النبي، صلى الله عليه وسلم، ومنها صحة الدين وسلامة المعتقد من الأهواء والبدع، ومنها سخاوة النفس، ومنها معرفته بصحيح الحديث وسقيمه، ومنها معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه، ومنها حفظه لكتاب الله، وحفظه لأخبار رسول الله، ومعرفته بسير النبي، صلى الله عليه وسلم، وبسير خلفائه، رضي الله عنهم، ومنها كشفه
لتمويه مخالفيه، ومنها تأليفه الكتب القديمة والجديدة، ومنها ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة، مثل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة، ومثل سليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، والحسين الفلاس، وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والربيع بن سليمان المرادي، وأبي الوليد موسى بن أبي الجارود، والحارث بن سريج النقال، وأحمد بن خالد الخلال، والقائم بمذهبه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني ولم يتفق لأحد من
العلماء والفقهاء ما اتفق له.
قال البيهقي: إنما عد داود من أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، طائفة يسيرة، وقد عد أبو الحسن الدارقطني، من روى عنه من أحاديثه وأخباره وكلامه زيادة على مائة، مع قصور سنه عن سن أمثاله من الأئمة، وإنما يكثر الرواة عن العالم إذا جاوز سنه الستين، أو السبعين، والشافعي، رضي الله عنه، لم يبلغ في السن أكثر من أربع وخمسين سنة.
قال: وأنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، ثنا الفضل بن الفضل الكندي، ثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: قلت لأبي داود السجستاني: من أصحاب الشافعي؟ قال: أولهم عبد الله بن الزبير الحميدي , وأحمد بن حنبل، ويوسف بن يحيى، وأبو يعقوب البويطي، والربيع بن سليمان، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو الوليد بن أبي الجارود المكي، والحسن بن محمد الزعفراني، والحسين بن علي الكرابيسي، وإسماعيل بن يحيى المزني، وحرملة بن يحيى، قال: ورجل ليس بالمحمود أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الذي يقال له الشافعي، وذلك أنه بدل وقال بالاعتزال، هؤلاء ممن تكلم في العلم وعرفوا به
من أصحابه.
وأما أنا فأخذت الفقه في مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أولا عن الإمام العالم المحقق محيي الدين أبي زكريا يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي الحاكم، رحمه الله، وهو أخذ الفقه عن الشيخ الإمام العلامة العابد الزاهد الورع ضابط المذهب محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النواوي، نَوَّرَ الله ضريحه، وقال: أخذت الفقه عن أبي الحسن سلار بن الحسن الإربلي ثم الدمشقي وهو الإمام المجمع على جلالته وإمامته وتقدمه يا رسول الله علم المذهب على أهل عصره بهذه النواحي، وهو أخذه عن جماعة، منهم: أبو بكر الماهاني، عن أبي القاسم بن البزري الجزري، عن
أبي الحسن علي بن محمد بن علي الكيا الهراسي.
ثم أخذت الفقه أيضا، عن شيخنا الإمام العلامة شيخ المذاهب برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن الشيخ الإمام العلامة تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري، وغير واحد من أصحاب الشيخ تاج الدين المذكور، رحمة الله عليهم كلهم عنه، وهو تفقه بالشيخ الإمام عز الدين أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام، وهو تفقه على الفخر بن عساكر عن الشيخ الإمام قطب الدين النيسابوري عن الإمام أبي سعد عمر بن سهل بن سعد الدامغاني، عن أبي حامد الغزالي الطوسي، والغزالي الكيا الهراسي تفقها على إمام الحرمين واسمه أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، وهو أخذه عن أبيه
الشيخ أبي محمد الجويني، عن أبي بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزي الصغير إمام الطريقة الخراسانية، عن أبي زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المروزي، عن أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج، عن أبي القاسم عثمان بن بشار الأنماطي، عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، عن الإمام العالم أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، ورضي عنه.