مسعود: أنتم في زمان خيركم المسارع في الأمور، وسيأتي زمان بعدكم خيرهم فيه المتثبت المتوقف لكثرة الشبهات.

قال الإمام الغزالي: ولقد صدق، لأن من لم يتثبت في هذا الزمان ووافق الجماهير فيما هم فيه وخاض فيما خاضوا فيه، يهلك كما هلكوا، فإن أصل الدين وعمدته وقوامه ليس بكثرة العبادة والتلاوة والمجاهدة بالجوع وغيره، وإنما هو بإحرازه من الآفات، والعاهات التي تأتي عليه من البدع والمحدثات، فإنها لكثرتها وشيوعها صارت كأنها من شعار الدين أو من المفروضة علينا. اهـ‍

وقال الحافظ ابن القيم: فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق طلبه، ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب عنها، فقيل له: إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل قولك، فقال: ما ظننت أن أحداً يوافقني عليها، ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافق، فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به، والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس، فكيف يحتاج إلى شاهد يشهد بطلوعها ويوافقه عليه؟

وما أحسن ما قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل في كتاب (الحوادث والبدع) : حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلاً والمخالف له كثيراً، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم.

قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذاً باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ثم سمعته يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة. قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا. قال: وما ذاك؟ قلت: تأمري بالجماعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015