و (ثانيهما) : السواد الأعظم هم جماعة الصحابة، يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل" وفيه قالوا من هي يا رسو ل الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي". رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب مفسر، وفي رواية عوف بن مالك قيل: يا رسول الله من هم؟ قال "الجماعة"، وفي رواية أنس بن مالك: "كلها في النار، إلا واحدة وهي الجماعة"، رواهما ابن ماجه، والأحاديث بعضها يفسر بعضاً.
فعلم أن السواد الأعظم هو الجماعة، وهي جماعة الصحابة، ولعله بهذا المعنى قال إسحاق بن راهوية حين سئل عن معنى حديث: "عليكم بالسواد الأعظم": هو محمد بن أسلم وأتباعه، فأطلق على محمد بن أسلم وأتباعه لفظ السواد الأعظم تشبيهاً لهم بالصحابة في شدة ملازمة السنة والتمسك بها، ومن ثم قال الإمام الشافعي: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذا في (تلبيس إبليس) ، ولذا كان سفيان الثوري يقول: المراد بالسواد الأعظم هم من كان من أهل السنة والجماعة ولو واحداً، كذا في الميزان للشعراني.
قال ملا سعد الرومي في (مجالس الأبرار) : فلا بد لك أن تكون شديد التوقي من محدثات الأمور، وإن اتفق عليه الجمهور فلا يغرنك اتفاقهم على ما أحدث بعد الصحابة، بل ينبغي أن تكون حريصاً على التفتيش عن أحوالهم وأعمالهم، فإن أعلم الناس وأقربهم إلى الله تعالى أشبههم بهم، وأعرفهم بطريقهم، إذ منهم أخذ الدين، وهم أصول في نقل الشريعة عن صاحب الشرع، وقد جاء في الحديث: "إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم" والمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك به قليلاً، والمخالف كثيراً، لأن الحق ما كان عليه الجماعة الأولى وهم الصحابة ولا عبرة بكثرة الباطل بعدهم.
وقد قال فضيل بن عياض ما معناه: الزم طلق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين، وقال بعض السلف: إذا وافقت الشريعة ولاحظت الحقيقة، فلا تبال وإن خالف رأيك جميع الخليقة. وقال ابن