مدخول، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وعدلوه عن سبله، ثم قضوا عليه بالتناقض والاستحالة واللحن وفساد النظم والاختلاف وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف العمر والحديث الغر واعترضت بالشبه في القلوب وقد حلت بالشكوك في الصدور، ولو كان ما نحو إليه على تقديرهم وتأويلهم لسبق إلى الطعن به من لم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يحتج بالقرآن عليه، ويجعله العلم لنبوته، والدليل على صدقه، ويتجداه في موطن بعد موطن عن أن أتى بسورة من مثله، وهم الفصحاء والبلغاء والخطباء والشعراء والمخصوصون من بين جميع الأنام بالألسنة الحداد، واللدد في الخصام مع اللبل والنهيي وإصابة الرأي وقد وصفهم الله بذلك في غير موضع من الكتاب وكانوا يقولون مرة هو سحر، ومرة هو شعر ومرة هو قول الكهنة، ومرة أساطير الأولين.
ولم يحك القرآن عنهم، ولا بلغنا في شيء من الروايات أنهم جذبوه من الجهة التي جذبه منه الطاعنون، فأحببت أن أنصح عن كتاب الله وأرمى من ورائه بالحجج النيرة والبراهين البينة وأكشف للناس ما يلمسون فألفت هذا الكتاب جامعًا لتأويل مشكل القرآن، مستنبطًا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح وحاملا ما لم أعلم فيه مقالا لإمام متبع على لغات العرب .. لأرى فيه المعاند موضع المخاز وطريق الإمكان ممن غير أن أحكم برأي أو أقضي عليه بتأويل.