وبكل هذه المذاهب نزل القرآن. فلذلك لا يقدر أحد من التراجمة على أن ينقله إلى شيء من الألسنة كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية "وترحمت التوراة والزبور وسائر كتب الله -عز وجل -بالعربية، لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب. ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله: {وما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} لم تستطيع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها، وتصل مقوعها وتظهر مستورها.
فنقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم، وأذنهم الحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على سواء وكذلك قوله: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددًا} إن أردت أن تنقله بلفظه لم يفهمه المنقول إليه، وإن قلت أمتناهم سنين عددا كنت مترجمًا للمعنى دون اللفظ، وكذلك قوله -عز وجل -: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا أن ترجمته بمثل لفظه استغلق، وأن قلت لم يتغافلوا أديت المعنى بلفظ آخر.
وقد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون ولغوا فيه وهجروا واتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله بأفهام كليلة وأبصار عليلة ونظر