والعقل الثالث هو عقل التجارب والعبر وذلك ما يأخذه الناس بعضهم من بعض، ومن هذا قول من قال ملاقاة الناس تلقيح العقول.
وقال بعض أهل المعرفة: مقدار العقل في المعرفة كمقدار الإبرة عند ديباج أو خز فإنه لا يمكن لبس ديباج ولا خز إلا أن يخاط بالإبرة فإذا خيط ب الإبرة فلا حاجة بها إلى الإبرة كذلك تضبط المعرفة بالعقل، لا أن المعرفة تحصل من العقل أو تثبت فيه.
واعلم أن فصل ما بينتنا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الإتباع والمأثور تبعًا للمعقول. وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الأتباع والعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء وما شاء. ولو كان الدين مبنى على المعقول، وجب ان يجوز للمؤمنين ان يقبلوا أشياء حتى يعقلوا. ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله عز وجل وما تعبد الناس من اعتقاده، وكذلك ما ظهر بين المسلمين وتداولوه بينهم، ونقلوه عن سلفهم، إلى أن أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ كر عذاب القبر وسؤال الملكين والحوض والميزان والصراط وصفات الجنة وصفات النار، وتخليد الفرقين فيهما، أمور لا تدرك حقائقها بعقولنا. وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها، فإذا سمعنا شيئًا من أمور الدين وعقلناه وفهمناه، فلله الحمد في ذلك والشكر ومنه التوفيق، وما لم يمكننا إدراكه وفهمه، ولم تبلغه عقولنا آمنات به وصدقنا واعتقدنا أن هذا من قبل ربوبيته وقدرته واكتفينا في ذلك بعلمه ومشيئته. وقال تعالى في مثل هذا {ويسألونك عن الروح قل