النبي "صلى الله عليه وسلم" قال "والله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا، ولا صلينا". فهذه الدلائل دلت أن الله تعالى هو المعرف. إلا أنه إنما يعرف العبد نفسه مع وجود العقل، لأنه سبب الإدراك والتمييز، لا مع عدمه، لأن الله تعالى قال {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}. وقال {إن في لك لذكرى لمن كان له قلب}. وقال تعالى مخبرًا عن أصحاب النار {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}. والله يعطي العبد المعرفة لهدايته إلا أنه لا يحصل ذلك مع فقد العقل، وهذا كما أن العبد لا يعرف الله تعالى بجسمه ولا بشخصه ولا بروحه ولا يعرفه مع عدم شخصه وجسمه وروحه كذلك لا يعرف الله بالعقل ولا يعرفه مع عدم العقل ونظير هذا أن الولد لا يكون مع فقد الوطء، ولا يكون بالوطء، بل يكون بإنشاء الله تعالى وخلقه. وكذلك لا يكون الزرع إلا في أرض وببذر وماء، ولا يكون بذلك؛ بل يكون بقدرة الله وإنباته. قال الله تعالى {أفرأيتم مات تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} معناه أنتم تنبتونه أم نحن المنبتون. يقال للولد زرعه الله: أي أنبته الله تعالى، وأمثال هذا كثير، والموفق يكتفي باليسير والمخذول لا يشفيه الكثير.
وقد قال بعض أهل المعرفة: إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية، لا لإدراك الربوبية فمن شغل ما أعطى لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فأتته العبودية ولم يدرك الربوبية. ومعنى قولنا: إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية هو انه آلة التمييز بين القبيح والحسن والسنة والبدعة، والرياء والإخلاص، ولولاه لم يكن تكليف، ولا توجه أمر ولا نهي، فإذا استعمله على قدره ولم يجاوز به حده: أداة ذلك إلى العبادة الخالصة، والثبات على السنة، واستعمال