فأقام عليهم الحجة ببعثة الرسل فلو كانت الحجة لازمة بنفس العقل لم يكن بعثه للرسل شرطًا لوجوب العقوبة. وقال "صلى الله عليه وسلم": أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله: فدل أنه الداعي إلى الإيمان وعندهم أن الداعي إلى الإيمان هو العقل؛ وجاء الكتاب مؤيدًا لهذا. قال الله تعالى {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السموات والأرض} ... الآية. فدل على أن الدعوة له وأن الحجة تقوم به، وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة.
وما أوحش قول من يقول إنه لا دعوة لأحد من النبيين والمرسلين إلى الإيمان على الحقيقة، وإن وجودهم وعدمهم في هذا بمنزلة واحدة. ولو لم يكونوا كان وجوب الإيمان على الناس على الجهة التي وجبت عليهم بعد وجودهم. ولاحظ لدعوتهم في هذا، وإنما الحظ لدعوتهم في الشرائع وفروع العبادات. فقد جعلوا عقولهم دعاة إلى الله تعالى. ووضعوها موضع الرسل فيما بينهم، ولو قال قائل: لا إليه إلا الله عقلي رسول الله، لم يكن مستكفرًا عند المتكلمين من جهة المعنى. فظهر فساد قول من سلك هذا.
ثم نقول والله الهادي والموفق: إن الله تعالى أسس دينه وبناه على الإتباع وقبوله بالعقل. فمن الدين معقول وغير معقول، والإتباع في جميعه واجب. ومن أهل السنة من قال بلفظ آخر. قال: إن الله لا يعرف بالعقل ولا يعرف مع عدم العقل، ومعنى هذا أن الله تعالى هو الذي يعرف العبد ذاته، فيعرف الله بالله لا بغيره لقوله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت ولكنت الله يهدي من يشاء} ولم يقل ولكن العقل، وقال تعالى {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقد ثبت أن