سائر الأهواء من هذه الأمة ولولا النظر والاعتبار ما عرف الحق من الباطل، والحسن من القبيح.
وبهذا العلم: انزاحت الشبهة من قلوب أهل الزيغ وثبت قدم اليقين للموحدين. وإذا منعتم أدلة العقول فما الذي تعتقدون في صحة أصول دينكم. ومن أي طريق تتوصلون إلى معرفة حقائقها. وقد علم الكل أن الكتاب لم يعلم حقه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت صدقة إلا بأدلة العقول وقد نفيتم ذلك. وإذا ذهب الدليل لم يبق المدلول أيضًا. وفي هذا الكلام هدم الدين ورفعه ونقضه، فلا يجوز الاشتغال بمسائله.
الجواب: والله الموفق للصواب، أنا قد دللنا فيما سبق بالكتاب الناطق من الله عز وجل، ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال الصحابة رضي الله عنهم أنا أمرنا بالأتباع، وندبنا إليه، ونهينا عن الابتداع وزجرنا عنه. وشعار أهل السنة إتباعهم للسلف الصالح، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث.
وقد روينا عن سلفهم: أنهم نهوا عن هذا النوع من العلم، وهو علم الكلام، وزجروا عنه، وعدوا ذلك ذريعة للبدع والأهواء. وحمل بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" على هذا، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن من العلم لجهلًا.
فأما قولهم: إن السلف من الصحابة والتابعين لم ينقل عنهم أنهم اشتغلوا بالاجتهاد في الفروع. فالجواب من وجهين: أحدهما أنه لم ينقل عنهم النهي عن ذلك والزجر عنه، بل من تدبر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في المسائل، واحتجاجهم في ذلك، عرف أنهم كانوا يرون القياس والاجتهاد في الفروع.