من برد اليقين وروح المعرفة، وضياء التسليم ما ظهر لسلفهم، وبرر لهم من أعلام الحق ما كان مكشوفًا لهم غير أن الحق عزيز، والدين غريب والزمان مفتن (ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور).
هذا الفصل من كلام بعض أئمة السلف والسنة، نقلته مع بعض إيجاز، والله الموفق.
قالوا: إن قولكم إن السلف من الصحابة والتابعين لم يشتغلوا بإبراد دلائل العقل والرجوع إليه في علم الدين، وعدوا هذا النمط من الكلام بدعة فكما أنهم لم يشتغلوا بهذا، كذلك لم يشتغلوا بالاجتهاد في الفروع. وطلب أحكام الحوادث، ولم يرو عنهم شيء من هذه المقايسات والآراء والعلل التي وضعها الفقهاء فيما بينهم، وإنما ظهر هذا بعد زمان أتباع التابعين وقد استحسنه جميع الأمة، ودونوه في كتبهم، فلا يمكن أن يكون علم الكلام على هذا الوجه. وقد قال النبي "صلى الله عليه وسلم": ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح. وهذا مما رآه المسلمون حسنًا فهو مستحسن عند الله.
والبدعة على وجهين: بدعة قبيحة، وبدعة حسنة، قال الحسن البصري القصص بدعة، ونعمت البدعة. كم من أخ يستفاد ودعوة مجابة، وسؤال معطى. وعن بعضهم: أنه سئل عن الدعاء عند ختم القرآن كما يفعله الناس اليوم. قال: بدعة حسنة؛ وكيف لا يكون هذا النوع من العلم حسنًا، وهو يتضمن الرد على الملحدين، والزنادقة، والقائلين بقدم العالم، وكذلك أهل