وقد روى الحديث والنقل عنهم ذلك، واحتجاج بعضهم على بعض، وطلب الأشباه، ورد الفروع إلى الأصول، وأما من كره ذلك: فيحتمل أنه إنما كره ذلك إذا كان مع وجود النص، من الكتاب والسنة على ما سبق بيانه.
وأما الكلام في أمور الدين، وما يرجع إلى الاعتقاد من طريق المعقول، فلمي نقل عن أحد منهم، بل عدوه من البدع والمحدثات، وزجروا عنه غاية الزجر ونهوا عنه.
جواب آخر: إن الحوادث للناس، والفتاوى في المعلومات، ليست لها حصر ولا نهاية، وبالناس إليها حاجة عامة، فلو لم يجز الاجتهاد في الفروع، وطلب الأشبه بالنظر والاعتبار، ورد المسكوت عنه إلى المنصوص عليه بالأقيسة، لتعطلت الأحكام، وفسدت على الناس أمورهم، والتبس أمر المعاملات على الناس، ولابد للعامي من مفت، فإذا لم تجد حكم الحادث في الكتاب والسنة، فلابد من الرجوع إلى المستنبطات منها. فوسع الله هذا الأمر على هذه الأمة. وجوز الاجتهاد، ورد الفروع إلى الأصول، لهذا النوع من الضرورة، ومثل هذا لا يوجد في المعتقدات، لأنها محصورة محددة. قد وردت النصوص فيها من الكتاب والسنة، فإن الله تعالى أمر في كتابه، وعلى لسان رسوله، باعتقاد أشياء معلومة لا مزيد عليها ولا نقصان عنها. وقد أكملها بقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم}. فإذا كان قد أكمله وأتمه وهذا المسلم قد اعتقده وسكن إليه، ووجد قرار القلب عليه، فبماذا يحتاج إلى الرجوع إلى دلائل العقل وقضاياها، والله أغنتاه بفضله، وجعل له المندوحة عنه، ولم يدخل في أمر يدخل عليه منه الشبهة والإشكالات ويوقعه ...