عندما انتهى بهم التوقيف لوجدوا برد اليقين، وروح القلوب ولكثرت البركة، وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور؛ وأضاءت فيها مصابيح النور.
وإنما وقعوا فيما وقعوا فيه عند أهل الحق بعد ما تدبروا. وظهر لهم بتوفيق الله سبب ذلك، وهو أن الشيطان صار اليوم بلطيف حيلته يسول لكل من أحس من نفسه زيادة فهم، وفضل ذكاء وذهن يوهمه أنه إن رضى في عمله ومذهبه بظاهر من السنة. واقتصر على واضح بيان منها، كان أسوة العامة، وعد واحدًا من الجمهور والكافة. وأنه قد ضل فهمه، واضمحل عقله وذهنه، فحركهم بذلك على التنطع في النظر والتبدع لمخالفة السنة والأثر، ليمتازوا بذلك عن طبقة الدهماء، وبتبينوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء. فاختدعهم بهذه المقدمة حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا عن حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاه نفس ولا قبلوه بيقين علم. ولما رأوا كتاب الله ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض، وتأولوها على ما يسنح لهم في عقولهم. واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم. ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولسنته المأثورة عنه، وردوها على وجوهها. وأساؤا في نقلتها القالة ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزيد، ونسبوهم إلى ضعف المنة، وسوء المعرفة بمعاني ما يرونه من الحديث: ولو أنهم أحسنوا الظن بسلفهم وآثروا متابعتهم. وسلموا حيث سلموا، وطلبوا المعاني حيث طلبوا، واجتهدوا في رد الهوى وخداع الشيطان لانشرحت صدورهم، وظهر لهم