بالكلام والجدل، قد جعل دينه غرضا للخصومات وأرسل نفسه في مراتع الهلكات، ومناه الشيطان دفع الحق بالشبهات.
إن عرض عليه بعض كتب الأحكام المتعلقة بآثار نبينا عليه أفضل السلام نبذها جانبًا وولى ذاهبًا عن النظر فيها، يسخر من حاملها. وراويها معاندة منه للدين، وطعنا على أئمة المسلمين، ثم هو يفتخر على العوام بذهاب عمره في درس الكلام ويرى جميعهم ضالين سواه، ويعتقد أن ليس ينجو إلا إياه، لخروجه- زعم- عن حد التقليد، وانتسابه إلى القول بالعدل والتوحيد وتوحيده إذا اعتبر كان شركًا وإلحادًا، لأنه جعل لله عن خلقه شركاء وأندادًا، وعدله عدول عن نهج الصواب إلى خلاف محكم السنة والكتاب.
أو لم ير البائس المسكين، إذا ابتلى بحادثة في الدين، يسعى إلى الفقيه يستفتيه، ويعمل على ما يقوله ويرويه، راجعًا إلى التقليد بعد فراره منه، وملتزمًا بحكمه بعد صدوفه عنه، وعسى أن يكون في حكم حادثته من الخلاف، ما يحتاج إلى إنعام النظر فيه والاستكشاف، فكيف استحل التقليد بعد تحريمه، وهو الإثم فيه بعد تعظيمه، ولقد كان رفضه ما لا ينفعه في الأولى والآخرة واشتغاله بأحكام الشريعة أحرى وأولى.
ثم أخرج عن إسحق بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يعيب الجدل في الدين ويقول كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أردنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-.
وأخرج عن أبي يوسف قال: كان يقال من طلب الدين بالكلام تزندق، وأخرج عن سفيان الثوري قال: إنما الدين بالآثار ليس الدين