فهذا دين أخذ أوله عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مشافهة لم يشبه لبس ولا شبهة. ثم نقلها العدول عن العدول من غير تحايل ولا ميل، ثم الكافة عن الكافة، والضافة عن الضافة، والجماعة عن الجماعة. أخذ كف بكف؛ وتمسك خلف بسلف، كالخروف يتلو بعضها بعضًا، ويتسق أخراها على أولاها رصفا ونظما.
فهؤلاء الذين تمهدت بنقلهم الشريعة: وانحفظت بهم أصول السنة؛ فوجبت بذلك لهم المنة على جميع الأمة، والدعوة لهم من الله بالمعونة، فهم حملة علمه، ونقلة دينه، وسفرته بينه وبين أمته؛ وأمناؤه في تبليغ الوحي عنه، فحري أن يكونوا أولى الناس به في حياته ووفاته.
وكل طائفة من الأمم مرجعها إليهم في صحة حديثه وسقيمه، ومعولها عليهم فيما يختلفون في أمره.
ثم كل من اعتقد مذهبًا فإلى صاحب مقالته التي أخذ بها ينتسب، وإلى رأيه يستند إلى أصحاب الحديث؛ فإن صاحب مقالتهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهم إليه ينتسبون، وإلى علمه يستندون، وبه يستدلون، وإليه يفزعون، وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون؛ وعلى أعداء سنته بقربهم منه يصولون؛ فمن يوازيهم في شرف الذكر، أو يباهيهم في ساحة الفخر؛ وعلو الاسم، إذ اسمهم مأخوذ من معاني الكتاب والسنة، يشتمل عليها لتحققهم بها أو لاختصاصهم بأحدها، فهم مترددون في انتسابهم إلى الحديث، بين ما ذكر الله سبحانه في كتابه، فقال تعالى ذكره {الله نزل أحسن الحديث} فهو القرآن فهم حملة القرآن، وأهله، وقراؤه، وحفظته. وبين أن ينتموا إلى حيث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فهم نقلته وحملته.