وروى العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موعظة دمعت منها الأعين، ووجلت منها القلوب. قلنا يا رسول الله: موعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ فقال: قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة ضلالة.

وروى عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطًا ثم خط خطوطًا يمينًا وشمالًا. ثم قال هذا سبيل على كل سبيل منها شيطان؟ يدعو الله. ثم قرأ {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.

وعن ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا: فقد كفيتم.

فلم نجد في كتاب الله وسنة رسوله وآثار صحابته إلا الحث على الإتباع وذم التكلف والاختراع. فمن اقتص هذه الآثار كان من المتبعين. وكان أولاهم بهذا الاسم وأحقهم بهذا الرسم. أصحاب الحديث لاختصاصهم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأتباعهم لقوله، وطول ملازمتهم له وتحملهم علمه وحفظهم أنفاسه وأفعاله. فأخذوا عنه الإسلام مباشرة، وشرائعه مشاهدة، وأحكامه معاينة من غير واسطة، ولا سفير بينهم وبينه واصلة فحاولوها عيانًا. وحفظوا عنه شفاها: وتلقفوه من فيه رطبا، وتلقنوه من لسانه عذبا، واعتقدوا جميع ذلك حقا. وأخلصوا بذلك من قلوبهم يقينًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015