وقائل: إنها قائمة بأنفسها لا تخالف الجواهر في هذه الصفة إلى غير ذلك في الاختلاف فيها. وأوردوا في نفيها شبها قوية، فالاستدلال بها والتعلق بأدلتها لا يصح إلا بعد التخلص من تلك الشبه والانفكاك عنها.
والطريقة التي سلكناها سليمة من هذه الآفات، بريئة من هذه العيوب. فقد بان ووضح فساد قول من زعم وادعى من المتكلمين أن من لم يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده من الوجه الذي يصححونه في الاستدلال، فإنه غير موحد في الحقيقة، لكنه مستسلم مقلد، وأن سيبله سبيل الذرية في كونها تبعًا للآباء في الإسلام.
وثبت أن قائل هذا القول مخطئ، وبين يدي الله ورسوله مقدم، وبعامة الصحابة، وجمهور السلف مزر، وعن طريق السنة عادل، وعن نهجها ناكب.
فهذا قولهم ورأيهم في عامة السلف وجمهور الأئمة وفقهاء الخلف. فلا تشتغل رحمك الله بكلامهم ولا تغتر بكثرة مقالاتهم فإنها سريعة التهافت، كثيرة التناقض.
وما من كلام نسمعه لفرقة منهم إلا ولخصومهم عليه كلام يوازيه أو يقاربه. فكل بكل معارض وبعض ببعض مقابل، وإنما يكون تقدم الواحد منهم، وفلجه على خصمه بقدر حظه من البيان، وحذقه في صنعة الجدل والكلام. وأكثر ما يظهر به بعضهم على بعض إنما هو إلزام من طريق الجدل على أصول مؤصلة، ومناقضات على مقالات حفظوها عليهم، فهم يطالبونهم بعودها وطردها، فمن تقاعد عن شيء منها سموه من طريق الجدل منقطعًا، وجعلوه مبطلًا، وحكموا بالفلج لخصمه عليه- والجدل لا يبين به حق. ولا تقوم به حجة.