وكقوله {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت}. وكقوله {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} وما أشبه ذلك من جلال الأدلة، وظواهر الحجج التي يدركها كافة ذوي العقول، وعامة من يلزمه حكم الخطاب مما يطول تتبعه واستقراؤه.
فعن هذه الوجوه ثبت عندهم أمر الصانع وكونه، ثم تبينوا وحدانيته وعلمه وقدرته بما شاهدوه من اتساق أفعاله على الحكمة، واطرادها في سبلها وجريها على إدلالها.
ثم علموا سائر صفاته توقيفًا عن الكتاب النمزل الذي بان حقه، وعن قول النبي- صلى الله عليه وسلم- المرسل الذي قد ظهر صدقه.
ثم تلقى جملة أمر الدين عنهم أخلافهم وأتباعهم كافة عن كافة، قرنًا بعد قرن، فتناولوا ما سبيله الخبر منها تواترًا واستفاضة على الوجه الذي تقوم به الحجة. وينقطع فيه العذر، ثم كذلك من بعدهم عصرًا بعد عصر إلى آخر من تنتهي إليه الدعوة وتقوم به الحجة.
فكان ما اعتمده المسلمون في الاستدلال من ذلك أصح وأبين في التوصل إلى المقصود به أقرب، إذ كان التعلق في أكثره إنما هو بمعاني تدرك بالحس وبمقدمات من العلم مركبة عليها لا يقع الخلف في دلالتها.
فأما الأعراض فإن التعلق بها: إما أن يكون عسرًا. وإما أن يكون تصحيح الدلالة من جهتها عسرًا متعذرًا. وذلك أن اختلاف الناس قد كثر فيها. فمن قائل- لا عرض في الدنيا ناف لوجود الأعراض أصلًا.