وجهه حب الرمان- جمرة الغضب- إذ خرج عليهم (وهم) يختصمون، وهم أولي الخلق بالفهم والبصر بالحجاج، فقال: ألهذا بعثتم أم بهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض. انظروا ما أمرتم به، فاعملوا به، وما نهيتم عنه فانتهوا.
ثم هو في نفسه- صلى الله عليه وسلم- قد بعث إلى جميع أهل الأديان، فما جادلهم إلا بما تلى عليهم من التنزيل، ولو شاء كلمهم بالمقاييس ودقيق الكلام. ولو كان ذلك هدي كان أولى به وعليه أقوى، فلم يقم عليه الحجة إلا بالتنزيل، وضرب عن جدلهم بالدقائق وعلم أن ذلك رضى ومحبة لربه. فترك الجدل والخصومات من السنة.
ونرجع إليها أيضًا بأخرى من التذكرة، فنقول: إني لو نجوت وعطب أهل الأرض من أهل الأهواء ما ضرني ذلك ولو عطبت ونجوا ما نفعني، فإقامتي الحجة عليهم وتركي أن أقيم الحجة على نفسي، لله عز وجل من تضييع أمره، حتى أؤدي ما أمرني به، وأنتهي عما نهاني عنه. وأربح أيام عمري ليوم فقري وفاقتي أولى بي. فقد شغلني عن نفسي و (عن العمل) نجاتي.
ومع ذلك ما يؤمنني أن أقيم الحجة ببعض التأويل أو القياس أرى أنه هدى، وهو عند الله (ضلال) كذب عليه. وقد تبين لي ذلك فيما مضى من عمري، فقد كنت أقول القول ثم يتبين لي أنه خطأ فأرجع عنه، فما كانت حالي عند ربي أن لو مت على حالي تلك، فلذلك لا آمن مثلها، ثم أموت عليها، قبل أن أعرف خطئي. فإذا أنا قد أهلكت نفسي بطلبي لنجاة غيري.