إليها، وقد فارقتها الحياة منذ أزمان. فلويت وجهي ألماً من منظر هذه القذارة، ثم عدت ألوم نفسي وأسائلها: ما ذنب هذه الأم إذا أحبت ابنتها وأرادت إسعادها؟ وما ذنب هذه البنت إذا طالبت بحق الطفولة الطبيعي باللعب؟
لماذا أشتري لبناتي كل أسبوع لعبة، ولم يخطر على بالي أبداً أن في البلد أطفالاً لا يجدون لعباً؟ نحسب أننا إذا أطعمنا أطفال الفقراء الخبز فقد أدَّينا حق الله وحق المروءة والإنسانية علينا، ولكن الطفل لا يكفيه الخبز ولا يرضيه، وهو يرى أطفال الناس يمرون به كل ساعة وعليهم أبهى الثياب ومعهم أغلى اللعب. إنه بين أمرين: إما أن يتبلد حسه وتموت نفسه، فلا يطمح أن يجاري هؤلاء ولا يأمل أن يكون مثلهم أبداً، فينشأ ضعيف الهمة ذليلاً مَهيناً، فيكون من أسباب ضعف هذه الأمة وهوانها على الأمم؛ وإمّا أن يثور ويغضب ويمتلئ قلبه الصغير حقداً، ثم يكبر ويكبر الحقد معه حتى يكون عدواً للمجتمع ونقمة على الناس، يظلمهم كما ظلموه، يسرق من يستطيع سرقة ماله، ويُزهق روح من يتمكن من إزهاق روحه، وينشر الفساد في الأرض.
فلماذا نجعل من هؤلاء الأطفال أعداء لنا؟ لماذا لا نحبهم فنعلمهم الحب؟
أليسوا أزهاراً في روض الحياة؟ أليست كل زهرة حلوة ولو علاها الغبار؟ أليس كل صغير جميلاً ولو كان قطاً أو كلباً؟ أفنحبّ القطة الصغيرة ونمسحها ونضعها على الأحضان ونكره هؤلاء الأطفال؟ وما لهم؟ ألأنهم قُذْر الوجوه والثياب؟ إن القذارة لا تُحَب، ولكن هذا ذنب أمهاتهم، لا يغسلن وجوههم وهنّ