بالعاطفة والتواضع والإنسانية: الرئيس على المرؤوس، والوزير على الوكيل، والوكيل على المدير، والضابط على العريف، والعريف على الجندي ... فإن كل واحد من هؤلاء هو اليومَ عبدٌ لمَن هو أعلى منه وفرعون على ما هو دونه، يتكبر عليه مَن هو فوقه ويتكّبر هو على من تحته، حتى إن الشرطي ليطغى على البائع المتجول، والبائع يطغى على امرأته، والمرأة على ولدها، والولد على القطة يضربها بالعصا أو الكلب يرميه بحجر ... كلٌّ يحاول أن يَظلم كما ظُلم، والمجرم الأكبر هو الظالم الأول. إنهم كالحيوانات: الجرادة تأكل البعوض، والعصفور يأكل الجرادة، والحية تقتل العصفور، والقنفذ يقتل الحية، والثعلب يسطو على القنفذ، والذئب يسطو على الثعلب، والأسد يفترس الذئب، والإنسان يقتل الأسد، والبعوضة تقتل الإنسان، فتُغلق الحلقة على عدوان بعد عدوان.
كم تلقون كل يوم ممّن هم دونكم، فلا تتفضلون بالالتفات إليهم ولا تفكرون فيهم ولا تشعرون بوجودهم، ثم تتألمون إذا أعرض عنكم من هو فوقكم وتجاهل مكانكم، وترون ذلك جرحاً لشعوركم وكسراً لقلوبكم! فلماذا تطلبون ممن فوقكم ما لا تعطونه من هم دونكم؟ أليس لهؤلاء نفوس تحس وقلوب تتألم؟
مررت أمس بسائلة على شاطئ النيل الصغير، في الروضة، وأمامها بنت لها تحبو، وصلت إلى كومة أوساخ فنبشت فيها حتى وجدت بقية لعبة فحملتها فَرِحة بها وعادت إلى أمها مستبشرة، فأخذتها منها أمها ومسحتها وحاولت أن تصلحها وتعيد الحياة