فخبروني: ماذا يصنع هذا الكتاب بنفوس الناشئة إن هم قرؤوه؟ أي قدوة في الحياة يكون لهم فيه؟ أيّ نمط من العيش يحبِّب إليهم؟ أما والله إنه لخطب داهم؛ ليس خطبَ هذا الكتاب وحده، فإن له لَأمثالاً، وإن أمثاله لَكثير كثير.
وسيقول قوم: أنت رجل رجعي جامد، هذا هو الفن، يُغتفَر لصاحبه ما لا يغتفر لغيره. ولئن كنتُ جامداً فهم والله مائعون، والجامد يستقر ويتماسك، أما المائع فيسيل ويضيع. ولئن كنت رجعياً فالرجعية مشتقة من الرجوع، وهي في الغرب سبّ لأنها عودة إلى ظلام القرون الوسطى وجَهالة الماضي الذميم، وهي عندنا مدح لأنها رجوع إلى مثل ما كان عليه أجدادنا في عصور العلم والنور.
أما قولهم "هذا هو الفن" فإني أنكره أشد الإنكار. إن الذي أعرفه أن الفن هو الذي يبحث عن «الجمال» بحثَ العلم عن «الحقيقة»، وأنه يُدْرَك بالعاطفة كما يُدرَك العلم بالعقل. فمن قال إن الجمال لا يكون إلا في الفحشاء والمنكر؟ أليس في تصوير الفضيلة جمال؟ والوفاءُ والوطنيةُ والإخلاص والنبل، أَخَلَتْ كلها من الجمال، واقتصر الجمال على ما يثير الشهوة ويحركها؟ أوَمن أجل حماقة نزلت برأس فرويد فرفع من شأن الشهوة ونَوَّهَ بها ننسى فضائلنا وسجايانا؟
إنّ مَن كانت هذه مقالتهم لم يأتوا بجديد، إلا أنهم لم يسمّوا الرذيلة رذيلة ولا الفحش فحشاً، وإنما سموه فناً. والجنون فنون، والذي أعرفه أنا أن الفن إن كانت عاقبته فساد الأخلاق وانهيار بناء الأمة لم يكن له وزن، وأن للأدب غاية هي تهذيب الطباع