وصرف العواطف إلى الخير، وتنبيه الضمائر الغافلة، وإيقاظ الهمم والمروءات، وما إلى ذلك مما يكون منه نفع الناس، وأن في الحياة ما هو أثمن من الجمال والفن، فيها الخُلُق والعِرْض والفضيلة والدين، وأن من يبيع ذلك كله بلوحة مزخرفة بالخطوط والألوان، أو قصيدة قد أودعت سحر البيان، كان أخسَرَ الناس قاطبة.
وليست مقالتهم في الفن إلا إعادة لما يقوله غيرهم، فهي عن تقليد لا عن اجتهاد، وهي محصول ذاكرة تَحفظ وتُردِّد، لا ثمرة عقل يَبحث ويقيس ثم يصدّق أو يكذّب، لذلك تجد لهم الرأي وضده، وما الأولَ رأوا ولا بدا لهم فعدلوا، وإنما قال لهم معلّموهم فقالوا، ثم مالوا فمالوا، فلا سبيل إلى مناقشتهم فيما يقولون، ولا تجوز مناظرة المقلِّد الذي يروي قول إمامه دون دليله.
هذا الذي أعرفه، ولكنّ مَن حولي من الأدباء لا يعرفون إلا العبث يشتغلون به والنارُ تشتعل من حولهم، والسيلُ طامياً يندفع إليهم، والبلاءُ نازلاً يحيط بهم. وإلا فأين الأدباء عن هذا الذي في سواحل الإسكندرية وبيروت، وعمّا في دور الملاهي وحانات الخمر؟ أين هم عن العِرض المَثْلوم في رأس البَرّ وستانلي باي (?)،