المنفلوطي رحمه الله في نظراته، وهي القصة التي يدعو فيها النساءَ إلى ترك أزواجهن واللحوق بعشاقهن، لأن رباط الحب الشهواني أقوى عنده من رباط الزواج الشرعي! ووجدته تتوالى عليه المواعظ فلا يتّعظ، وتتعاقب النُّذُر فلا يتوب: يموت أبوه وأخته وأمه، ويصاب بالمرض العُضال ينخر جسمه الذي رُبي بالحرام نخر السوس (?)، وتأتيه في ذلك فتاة لم تعرف غير الطهر ولم تصحب إلا العفاف، تريد أن تحيّي فيه الكاتب الفيلسوف الذي تُكْبره وتُجِلّه، قد حملت معها عفافها وطهرها وطيب سريرتها، فكان ردّه على تحيتها وترحيبه بها أن أخرجها من عنده بلا عفاف ولا طهر، وسلبها أعزَّ شيء عليها: عِرْضَها.
ووجدت كتاب حياته يُختصَر في كلمة واحدة: هي أنه خسر الإيمان والرجولة والفضائل كلها وربح شهرة عريضة، وترك صفحات فيها كلام جميل يلذ قارئه، ولكنه يسلبه إيمانه من قلبه ويقوّض بيته على رأسه، ولوحات فيها خطوط وألوان لا يرى فيها من كان مثلي من الناس، وهم مليون إلا واحداً من كل مليون، إلا أجساماً عارية لا معنى لها ولا دلالة، ولا يُعرف لها رأس من ذَنَب، والباقون من الناس يقولون إنها تدل على معان كبيرة هي رموز لحقائق الحياة، ويوضحون لك غامضها ويفتحون المغلَّق من معانيها بمحاضرة طويلة لا تفهم منها شيئاً، لأنهم هم لم يفهموا شيئاً منها.
هذه هو الرجل الذي اتخذه قومه «نبياً»!