سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قال "اتقوا الله" لم يكذب قولَه فعلُه، ولم يُبطل ما يعرف الناس من سيرته أثرَ ما يسمعون من موعظته، ولأنه المقام الذي لا يقول فيه الخطيب: "سادتي"، ولا يوجه كلامه توجيه تشريف وإعظام لصاحب فخامة أو صاحب دولة كما يصنع خطباء الدنيا، بل هو ينظر بعين الشرع فيراهم كلهم عبيداً لله، أكرمهم أتقاهم لا أقواهم ولا أغناهم، وهو يتكلم بلسان الشرع، فيرفعه الشرع حتى يكون فوقهم جميعاً، فيأمرهم جميعاً وينهاهم ويحذّرهم ويُنذرهم، فإن كان يأمر ولا يأتمر وينهى ولا ينتهي بطل نفعه وذهب خيره، وأعقبه ذلك الهوانَ على الناس والخَسارَ في الآخرة.
لذلك أجد عنتاً كلما كُلِّفت خطبةَ الجمعة وأُعِدّ نفسي لها من قبل أيام، أحاول أن أذكّرها بالله وأن أدلها على طريق الخير وأسلكه بها ما استطعت واستطاعت، وأبتغي من المواعظ والفِكَر ما ألين به هذا القلب القاسي.
وقد كنت قبل أيام أستعد لخطبة الجمعة التي ألقيتها في مسجد الجامعة السورية وأُذيعت منه، فنمت مبكراً على أن أقوم من الليل لصلاة العشاء، لعلي أدخل في ركب المتهجدين كما يدخل الفضولي الحقير في الوليمة الكبيرة التي لم يُدعَ إليها إلا السادة العظماء، فأكون مرة واحدة في عمري مع الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، والذين يَصُفّون الأقدامَ والناس نيام، يَدْعون ربهم خوفاً وطمعاً، وما أنا منهم ولا أدرك غبارهم، ولكن تشبّهاً بهم: «إن التشبّه بالكرامِ فَلاحُ».
وبيَّتُّ العزم على ذلك، فصحوت في الساعة التي قدّرتها