نشرت سنة 1957
-1 -
أنا أخطب من قديم، فما يتعاظمني بحمد الله موقف ولا أضيق بقول، إلا موقفاً واحداً، كلما ازددت بالخطابة تمرُّساً ازددت له هيبة ومنه فراراً، فأنا لا أزال أمامه اليوم ذلك الشابَّ الذي أقدم على مواجهة الناس أول مرة في حفلة مدرسية كانت قبل بضع وثلاثين سنة، وقد كنت تلميذاً في المدرسة الثانوية (?).
ذلك الموقف الذي أخشاه وأتهيَّبه هو خطبة الجمعة، وما أهابه خوفاً من الناس، فقد فرغ مني الناس وفرغت منهم إذ صار لي منهم صديق وعدو، أما الصديق فليس يضرّني عنده أن أسيء مرة وهو يرى أني قد أحسنت مئة مرة، وأما العدو فمهما جئته به من خير وإحسان أترضَّاه به فلن أنال رضاه ... بل لأن هذا الموقف خاصة -من دون المواقف كلها- ليس مقام فصاحة ولَسَن وبيان، ولكنه مقام وعظ وهداية وإرشاد، مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمَن قامه وجب أن يتخلق ما استطاع بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يكون متّبعاً