الحياة سفر، فكم من الناس يسأل نفسه: لِمَ السفر؟ وإلى أين الرحيل؟ كم منا من يسأل: ما الحياة؟ ولماذا خُلقنا؟ وإلامَ المصير؟
إننا نقطع الوقت من الصباح إلى المساء في مشاغل نخترعها لننسى بها أنفسنا ونبدّد بها أعمارنا؛ من أحاديث تافهة، ومجالس فارغة، ومطالعات في كتب لا تنفع أو نظرات في مجلات لا تفيد، فإن خلا أحدنا بنفسه ثَقُلت عليه صحبة نفسه وحاول الهرب منها، كأن نفسه عدوٌّ له لا يطيق مجالسته، فهو يضيق بها ويفتّش عما يشغله عنها، وكأن عمره عبء عليه، فهو يحاول أن يلقيه عن عاتقه وأن يتخلص منه.
نَفِرُّ من نفوسنا ونبدد أعمارنا في لذائذ نتوهمها ونسعى وراءها، ولكنّا لا ننالها.
لما كنت أشرف على طبع كتاب ابن الجوزي، «صيد الخاطر»، الذي قَدَّمتُ له وعلقت عليه، وجدت فيه كلمة عظيمة يقول فيها: "إن لذائذ الدنيا نماذج تُعرَض ولا تُقبَض". نماذج للعرض والإعلان لا للبيع والاقتناء، فأنت تُسَرّ برؤيتها ولكن لا تقدر على امتلاكها.
خذوا أكبر لذات الدنيا، اللذة المعروفة، تروا أنها ليست في الحقيقة إلا لحظة، دقيقة أو دقيقتين، لا تكاد تحس بأنك قد وصلت إليها حتى تجد أنك قد فقدتها. إنها ليست إلا نموذجاً مصغَّراً للذة الآخرة، فما يستمر هنا دقيقة فقط يدوم هناك إلى الأبد. إنك فيها كمن يعطى ملعقة من الطعام ليذوقه ويجد طعمه