في حلقه، فإذا ارتضاه اشترى منه فأكل حتى شبع ... فالذواق في الدنيا والشبع في الآخرة.
لذلك ترى الرجل الفاسق يشكو الجوع الجنسي مهما ذاق من الحرام. يعرف مئة من النساء، ثم يرى الواحدة بعد المئة فتطلبها نفسه كأنه ما عرف امرأة قط! ولا يزال كذلك حتى يعجز جسده ولا تكلّ رغبته، فهو كالعطشان الذي يشرب من ماء البحر، وكلما ازداد شرباً ازداد عطشاً.
ومثلها لذة المال. إن الفقير الذي ينام في كوخ الطين ويأكل خبز الشعير، ويمشي بالحذاء البالي أو يركب عربة النقل التي يجرها الحمار، يتصور أنه لو نام يوماً على فراش الغني أو أكل على مائدته أو ركب في سيارته لنال اللذائذ كلها. ولكن الغني الذي أَلِفَ ذلك لم يعد يجد فيه لذة، بل يجد الألم إن فقد منه شيئاً. والشاب المغمور يتمنى أن يكون علماً مشهوراً تردد الإذاعات اسمه وتنشر الصحف رسمه ويتحدث الناس عنه، ولكن العالم المشهور الذي ألف ذلك لم يعد يهتم به ولا يباليه.
إن لذّات الدنيا مثل السراب. ألا تعرفون السراب؟ تراه من بعيد غديراً، فإذا جئته لم تجد إلا الصحراء، فهو ماء ولكن من بعيد!
* * *
عفواً يا سادتي القراء إن جئت أعظكم وأزهّدكم، فما أردت وعظاً ولا تزهيداً، وما أنا من الوُعّاظ الزُّهّاد، ولكنها خواطر أثارها في نفسي أننا في اليوم الأول من المحرم، وأني وقفت كما يقف المسافر وقعدت أحسب كما يحسب التاجر.