متمرضاً بها ودفن في الضفة الغربية منها، وكان نزوله في حفرته قريباً من صلاة العصر، ثم نزل في أثناء النّهار ولده الظًّافر، وعزّى النّاسَ فيه وسكّن قلوب الناس وكان الناس قد شغلهم الحزن والبكاء عن الاشتغال بالنّهب والفساد، فما يوجد قلب إلا حزين، ولا عين إلا باكية إلا من شاء الله، ثم رجع الناس إلى بيوتهم أقبح رجوع ولم يَعُدْ منا أحد في تلك الليلة إلا أنّا حضرنا وقرأنا وجّددنا حالا من الحُزن واشتغل ذلك اليوم الملك الأفضل بكتب الكتب إلى إخوته وعمَّه يخبرهم بهذا الحادث وفي اليوم الثاني جلس للعزاء جلوسا عاما، وأطلق باب القلعة للفقهاء، والعلماء، وتكلم المتكلمون ولم ينشد شاعر، ثم انفضَّ المجلس في ظهيره ذلك اليوم واستمر الحال في حضور الناس بكرة وعشية لقراءة القرآن والدعاء له رحمه الله (?).
وقال ابن كثير: .. ثم عمل عزاؤه بالجامع الأُمويَّ ثلاثة أيام، يحضره الخواص والعوام والرعية والحكام وقد عمل فيه الشعراء مراثي كثيرة من أحسنها ما عمل العماد الكاتب في كتابه "البرق الشامي" وهي مائتنان واثنان وثلاثون بيتاً (?).
6 - سيف صلاح الدين في قبره: ويقال: إنه دُفن معه سيفه الذي كان يحضر به الجهاد والجلاد وذلك عن أمر القاضي الفاضل أحد الأجواد الأمجاد، وتفاءلوا بأنّه يكون معه يوم القيامة يتوكأُ عليه، حتى يدخل الجنَّة، لما أنعم عليه من كسر الأعداء ونصر الأولياء وأُعظم عليه بذلك المنة (?).
7 - وصية صلاح الدين لابنه الملك الظاهر: أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل خير وآمرك بما أمرك الله به، فإنه سبب نجاتك وأحذرك من الدماء والدخول فيها والتقلد لها، فإن الدم لا ينام وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالهم، فأنت أمين وأمين الناس عليهم وأوصيك بحفظ قلوب الأمراء، وأرباب الدولة والأكابر، فما بلغت ما بغلت إلا بمدارة الناس ولا تحقد على أحد، فإن الموت لا يبقي على أحد، وأحذر ما بينك وبين الناس، فإنه لا يغفر إلا برضاهم، وما بينك وبين الله يغفره الله بتوبتك إليه، فإنه كريم (?).