8 - ما خلّف من التركة: لم يترك في خزانته من الذهب سوى دينار واحد وستة وثلاثين درهماً وقيل سبعة وأربعين درهماً، ولم يترك داراً ولا عقاراً ولا مزرعة ولا بستانا ولا شيئاً من أنواع الأملاك (?)، وإنما لم يُخلِف أموالاً ولا أملاكاً؛ لكثرة عطياه وهباته وصدقاته وإحسانه إلى أمرائه ووزرائه وأوليائه حتى إلى أعدائه وقد كان متقلَّلاَّ في ملبسه ومأكله ومشربه ومركبه، فلا يلبس إلا القطن والكتان والصوف ولا يُعرَفُ أنه تخطىَّ مكروها بعد أن أنعم الله عليه بالملك، بل كان همُّه الأكبر ومقصوده الأعظم نصرَ الإسلام وكسر الأعداء اللَّئام، ويعمل فكره في ذلك ورأيه وحده مع من يثق برايه ليلاً ونهاراً وجهاراً وهذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل والفوائد الفرائد، في اللغة والأدب وأيام الناس، حتى قيل: إنه كان يحفظ الحماسة بتمامها وختامها وكان مواظباً على الصلوات في أوقاتها في جماعة ولم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل، حتى ولا في مرضِ موته، كان يدخل الإمام فيُصلَّى به، فكان يتجشُم القيامَ مع ضعفه (?).
9 - من أروع الرسائل في أخبار وفاة صلاح الدين: قال صاحب النجوم الزاهرة وفي ساعة موت السلطان صلاح الدين كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (الأحزاب، آية: 21) "إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم" (الحج، آية:1). كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر، أحسن الله عزاءه وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف للملك المرحوم، وقد زلزل المسلمون زلزالاً عظيماً، وقد حفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، وقد قبلت أباك ومخدمي وداعاً لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إلى الله مغلوب الحيلة، ضعيف القوة، راضياً عن الله، ولا حول ولاقوة إلا بالله، وبالباب جنود مجندة، والأسلحة المغمدة ما لا يدفع البلاء، ولايرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرُضي الرب، وإنا عليك يا يوسف لمحزونون، وأما الوصايا فما يحتاج إليها، والآراء فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما فقدتم إلا شخصه الكريم وإن كان غير ذلك فالمصائب المستقبلية أهونها موته، وهو الهول العظيم والسلام (?).