جعفر أنه لما انتهى إلى قوله تعالى: "هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة" (الحشر، آية:22). سمعه وهو يقول - رحمة الله عليه -: "صحيح"؛ وهذه يقظة في وقت الحاجة، وعناية من الله تعالى به فلله الحمد على ذلك (?) وكانت وفاته - رحمة الله عليه - بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء سابع وعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وبادر القاضي الفاضل بعد طلوع الصبح وفاته - رحمة الله عليه - ولقد حكي لي أنه بلغ لما بلغ الشيخ أبو جعفر إلى قوله تعالى: "لا إله إلا هو عليه توكلت". تبَّسم وتهلَلَّ وجهُهُ وسَلمَّها إلى ربه (?)
وكان يوماً لم يُصَبِ الإسلام والمسلمون بمثله منذ فُقِد الخلفاء الراشدون وغِشيَ القلعة والبلد والدنيا من الوحشة مالا يعلمه إلا الله (?)، قال القاضي بن شداد: وتالله لقد كنت أسمع من بعض الناس أنهم يتمنون فِدَاء من يعزُّ عليهم بنفوسهم، فكنت أحمل ذلك على ضرب من التجوز والترخص إلى ذلك اليوم، فإني علمت من نفسى ومن غيري أنّه لو قُبِلَ الفداء لفُدِىَ بالنفس (?).
5 - الجلوس للعزاء ودفنه: ثم جلس ولده الأفضل للعزاء في الإيوان الشمالي، وحُفظ باب القلعة إلا عن الخواص من الأمراء والمعممين، وكان يوماً عظيماً قد شغل كلَّ إنسان ما عنده من الحزن والأسف والبكاء والاستغاثة عن أن ينظر إلى غيره، وحُفِظَ المجلس عن أن ينشد فيه شاعر أو يتكلم فيه فصَّال (?)،
أوَ وعّاظ وكان أولاده يخرجون مستغيثين بين الناس، فتكاد النفوس تُزهق لهول منظرهم، ودام الحال على ذلك إلى بعد صلاة الظُّهر، ثم اشتغل بتغسيله وتكفينه، فما مكَّنَّا أن ندخل في تجهيزه ما قيمته حبّة واحدة إلا بالقرض حتى في ثمن التَّبن الذي يُلَثُّ به الطَّين وغَسَّله الدّولعي الفقيه ونُدبت إلى الوقوف على غُسْله فلم يكن لي قّوة تحمُّل ذلك المنظر، وأخرج بعد صلاة الظُّهر في تابوت مُسَجّىً بثوب فوط وكان ذلك وجميع ما احتاج إليه من الثياب في تكفينه قد أحضره الفاضل من وجِه حِلَّ عَرَفَه وارتفعت الأصوات عند مشاهدته وعظم الضَّجيج حتى إن العاقل يتخَّيل أن الدّنيا كلها تصبح صوتاً واحداً، وغِشيَ الناس من البكاء والعويل ما شغلهم عن الصَّلاة، وصلىَّ عليه الناس أرسالا وكان أول من أمّ الناس القاضي محي الدين بن الزكي، ثم أعيد رحمة الله عليه إلى الدار التي في البستان التي كان