أمر صلاح الدين بأن تضرب له خيمة، فتم له ذلك، فنزل فيها، وصلى لله تعالى شكراً على هذه النعمة التي درج الملوك من قبله على تمني مثلها، وماتوا بحسرتها (?). ثم أحضر ملوك الصليبيين، ومقدميهم واستقبلهم استقبالاً حسناً، وأجلس الملك جاي إلى جانبه وأجلس البرنس ارناط صاحب الكرك إلى جانب الملك، وبادر صلاح الدين بتقديم أناء به ماء مثلج للملك جاي، فشرب منه، وأعطى ما تبقى لارناط فشرب، وعندئذ غضب صلاح الدين من ذلك، وخاطب الملك مؤكداً له بأن ارناط لم يشرب الماء بأذنه فينال أمانه. ثم التفت إليه وذكره بجرائمه وخيانته وقال له: كم تخلف وتنكث؟ فقال الترجمان عنه أنه يقول: قد جرت عادة الملوك بذلك (?). فأوقف السلطان صلاح الدين وقال: هانذا استنصر لمحمد. ثم عرض عليه الإسلام فأبى، فاستل صلاح الدين سلاحه وضربه فحل كتفه، وتمم عليه من حضر (?). وقال: كنت نذرت دفعتين أن أقتله إن ظفرت به، إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة والثانية لما أخذ القوافل غدرا. ولما رأى ملك بيت المقدس جاى لو زجنان ذلك المنظر، خاف وظن أن صلاح الدين سوف يثنّي به ولكن السلطان استحضره، وطيب قلبه، وقال له: لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك، أما هذا فإنه تجاوز حده فجرى ما جرى (?).
5 - موقف صلاح الدين من الأسرى: أحضر صلاح الدين الداوية والاسبتارية، وعرض عليهم الإسلام فمن أسلم استبقاه ومن أبى أمر بقتله (?) وقد بين أبو شامه سبب مقتلهم أن صلاح الدين، قال: أنا أطهر الأرض من هذين الجنسين النجسين فما جرت عادتهما بالمفاداة، ولا يقطعان عن المعاداة، ولا يخدمان في الأسر وهما أخبث أهل الكفر (?). ومن المعروف أن فرسان هاتين الهيئتين قد تنكروا للمبادئ التي كرسوا حياتهم لخدمتها فخلعوا زيهم الديني الأسود واتشحوا بالوشاح العسكري