على الأعداء مدركين: أن من ورائهم الأردن، ومن بين أيديهم بلاد الروم، وأنهم لا ينجيهم إلا الله (?). وأمام ذلك الهجوم الإسلامي الرهيب، أدرك الصليبيون أن نهايتهم قد حانت، وأنه لا ينجيهم من صلاح الدين سوى الفرار أو الاستسلام، ولم يستطع النجاة سوى ريموند أمير طرابلس الذي رأى عجز الصليبيين عن مقاومة الجيش الإسلامي، فاتفق مع جماعة من أصحابه وحملوا على من يليهم من المسلمين، ففتح المسلمون لهم طريقاً يخرجون منه، وبعد خروجهم التأم الصف مرة أخرى (?). ويبدوا أن خروج ريموند تم بموافقة صلاح الدين، الذي أصدر أوامره إلى ابن أخيه تقي الدين عمر، مقدم تلك الناحية التي حمل عليها ريموند، وقصد صلاح الدين بذلك إدخال الضعف واليأس في نفوس الصليبيين عندما يعلمون بهروب ريموند وجموعه، كما لا يستبعد أن يكون ذلك الأمر قد تم باتفاق بين ريموند وصلاح الدين، بدليل أن بعض الصليبيين عندما تعرضوا لذلك الهجوم الشامل من المسلمين، القوا أسلحتهم، وجاءوا إلى معسكر المسلمين مستسلمين (?)، ومما زاد الطين بلة، أنه في الوقت الذي تخلى فيه ريموند عن أبناء ملته، كان بعض المتطوعة المسلمين قد اشعلوا النيران في الأعشاب والأشواك اليابسة التي تكسو تلك المنطقة، وكانت الريح تهب بإتجاه الصليبيين، فاجتمع عليهم العطش وحر الزمان وحر النار، والدخان، وحر القتال. الأمر الذي اضطر معه الصليبيون إلى التراجع إلى أعلى الجبل، وأرادوا أن ينصبوا خيامهم ويحموا نفوسهم به، فاشتد عليهم القتال من سائر الجهات، ومنعوا عما أرادوا ولم يتمكنوا من نصب خيمة واحدة سوى خيمة الملك (?).
2 - الحرب النفسية عند صلاح الدين: ويبدو أن صلاح الدين كان في تلك المعركة الحاسمة، يعمد إلى القضاء على الصليبيين وإدخال الوهن في تفوسهم بكل الوسائل، ولم يكن همه مقصوراً على القتال المباشر فقط، بل كان يستخدم الحرب النفسية للتأثير على العدو، والدليل على ذلك أنه بعد أن حصر الصليبيين في أعلى جبل حطين، ركز اهتمامه على الاستيلاء على صليبهم الأعظم الذي يسمونه صليب الصلبوت والذي يذكرون: أن فيه قطعة من الخشبة التي صلب عليها المسيح عليه السلام بزعمهم (?)، لأنه كان يعلم أن الاستيلاء عليه بعد أعظم سلاح لتحطيمهم نفسياً