المعركة قد انتهت فأسر المسلمون تلك النجدة عن آخرها، وعاد المسلمون من هذه المعركة سالمين غانمين (?). وكانت انتصارهم في هذه المعركة؛ باكورة البركات ومقدمة ما بعدها من ميامين الحركات (?). وهكذا كبد المسلمون الصليبيين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وألقت هذه المعركة الرعب في قلوب الصليبيين، وجعلتهم يدركون خطورة ذلك التجمع الإسلامي الرهيب الذي أعده صلاح الدين لجهادهم (?).
استبشر صلاح الدين الذي كان آنذاك يعسكر بالقرب من حصن الكرك بذلك النصر الذي حققته تلك السرية الإسلامية في معركة صفورية، فترك الكرك والشوبك، وسار مسرعاً على رأس جيشه في اتجاه العدو وعسكرا في عشترا (?)، واجتمعت حوله العساكر الإسلامية بإعداد هائلة حتى "غصى بها الفضاء " على حد قول ابن واصل (?) وفي عشترا قام بعرض عسكره، فكان في أثني عشر ألف مقاتل (?) ثم رتب جيشه طبقاً لنظام المعركة المعتاد، فجعل ابن أخيه تقي الدين عمر في الميمنة ومظفر الدين كوكبوري في الميسرة وكان هو في القلب، وبقية الجيش فرقه على الجناحين، استعداداً للحرب (?).
أ- استعدادات الصليبيين: ورداً على ذلك التجمع الإسلامي العظيم، فإن الصليبيين لما سمعوا باجتماع كلمة الإسلام عليهم ومسير ذلك الجيش الإسلامي إليهم، علموا أنه قد جاءهم مالا عهد لهم بمثله، وأن كيانهم زائل لا محالة، فاجتمعوا واصطلحوا، وحشدوا وجمعوا، وانتحوا. فصالح القومص الملك جاي، بعد أن دخل عليه ورمى بنفسه عليه (?). ومن ثم أصدر الملك جاي الأمر بالتعبئة العامة، ومعنى ذلك أنه لابد أن يتقدم لحمل السلاح كل الرجال القادرين ولا يلجأ الملك إلى ذلك إلا عند الضرورة القصوى (?). وحشد الصليبيون حشوداً كبيرة، ورفعوا صليب الصلبوت، لتجتمع الناس حوله، وقد