صفوه التفاسير (صفحة 175)

التفِسير: {ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فاكتبوه} أي إِذا تعاملتم بدينٍ مؤجل فاكتبوه، وهذا إِرشاد منه تعالى لعباده بكتابة المعاملات المؤجلة ليكون ذلك أحفظ وأوثق لمقدارها وميقاتها {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل} أي وليكتب لكم كاتب عادل مأمون لا يجور على أحد الطرفين {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ الله} أي ولا يمتنع أحد من الكتابة بالعدل كما علّمه الله {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الذي عَلَيْهِ الحق} أي وليمل على الكاتب ويلقي عليه المدينُ وهو الذي عليه الحق لأنه المقر المشهود عليه {وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} أي وليخشَ الله رب العالمين ولا ينقص من الحق شيئاً {فَإن كَانَ الذي عَلَيْهِ الحق سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} أي إِن كان المدين ناقص العقل مبذراً أو كان صبياً أو شيخاً هرماً {أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل} أي لا يستطيع الإِملاء بنفسه لعيٍّ أو خرسٍ أو عُجْمة فليملل قيِّمه أو وكيله بالعدل من غير نقصٍ أو زيادة {واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ} أي اطلبوا مع الكتابة أن يشهد لكم شاهدان من المسلمين زيادة في التوثيقة {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء} أي فإن لم يكن الشاهدان رجلين، فليشهد رجلٌ وامرأتان ممن يُوثق بدينهم وعدالتهم {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى} أي تنسى إحدى المرأتين الشهادة فتذكّرها الأخرى، وهذا علةٌ لوجوب الاثنين لنقص الضبط فيهن {وَلاَ يَأْبَ الشهدآء إِذَا مَا دُعُواْ} أي ولا يمتنع الشهداء عن أداء الشهادة أو تحملها إِذا طلب منهم ذلك {وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إلى أَجَلِهِ} أي لا تملّوا أن تكتبوا الدين صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً إِلى وقت حلول ميعاده {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وأدنى أَلاَّ ترتابوا} أي ما أمرناكم به من كتابة الدين أعدل في حكمه تعالى، وأثبت للشهادة لئلا تنسى، وأقرب أن لا تشكّوا في قدر الدَّيْن والأجل {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} أي إِلا إِذا كان البيع حاضراً يداً بيد والثمن مقبوضاً {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا} أي فلا بأس بعدم كتابتها لانتفاء المحذور {وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} أي أشهدوا على حقكم مطلقاً سواءً كان البيع ناجزاً أو بالدين لأنه أبعد عن النزاع والاختلاف {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} أي لا يضرب صاحبُ الحق الكُتَّاب والشهود {وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} أي إِن فعلتم ما نهيتم عنه فقد فسقتم بخروجكم عن طاعة الله {واتقوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله} أي خافوا الله وراقبوه يمنحكم العلم النافع الذي به سعادة الدارين {والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي عالم بالمصالح والعواقب فلا يخفى عليه شيء من الأشياء {وَإِن كُنتُمْ على سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} أي إِن كنتم مسافرين وتداينتم إِلى أجلٍ مسمى ولم تجدوا من يكتب لكم، فليكن بدل الكتابة رهانٌ مقبوضة يقبضها صاحب الحق وثيقة لدينه {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ} أي فإِن أمن الدائن المدين فاستغنى عن الرهن ثقة بأمانة صاحبه فليدفع ذاك المؤتمن الدين الذي عليه وليتق الله في رعاية حقوق الأمانة {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} أي إِذا دعيتم إِلى أداء شهادة فلا تكتموها فإِن كتمانها إثم كبير، يجعل القلب آثماً وصاحبه فاجراً، وخُصّ القلب بالذكر لأنه سلطان الأعضاء، إِذا صلح صلح الجسد كله وإِذا فسد فسد الجسد كله {والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} أي لا يخفى عليه شيء من أعمال وأفعال العباد.

البَلاَغَة: 1 - في الآية من ضروب الفصاحة «الجناس المغاير» في قوله {تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} وفي {

طور بواسطة نورين ميديا © 2015