إذا تدبر العبد ذلك قال: إن الله جميل في صفاته، وجميل في ذاته، وجميل في أفعاله.
فلا بد أن أكون جميلاً في ذاتي, جميلاً في أفعالي, جميلاً في صفاتي, فإن الله جميل يحب كل جميل، فلا بد أن تكون جميلاً في ثوبك، وفي نعلك وفي هيئتك، وفي وقارك وفي تعظيمك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا جمال يحبه الله جل في علاه.
وإن أنعم الله عليك نعمة فعليك أن تري الله جل في علاه أثر هذه النعمة عليك, فإن الله يحب أن يرى أثر النعمة على عبده, فهذه من الجمال والبهاء.
أيضاً لا بد أن تكون جميلاً في الظاهر والباطن, وهذا هو الأهم عند الله.
فجمال الباطن بنقاء السريرة، فلا غل ولا حسد ولا حقد ولا مشاحنة ولا هجر لا مهاجرة، ولا عمل يسيء إليك أمام ربك جل في علاه.
فلا بد من نقاء السريرة، وهذا هو الجمال المطلوب، وعليك أن تعود نفسك عليه، حتى يرضى عنك ربك, وحتى يرى أثر جماله في جمال قلبك، ونقاء سريرتك، وانظر إلى جميل فعل صحابة رسول الله عندما تأثروا بجمال الله ظاهراً وباطناً، ففي مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج عليكم اليوم رجل من أهل الجنة، وفي اليوم الثاني قال: يخرج عليكم رجل من أهل الجنة) وخرج نفس الرجل، وفي اليوم الثالث خرج نفس الرجل، فذهب عبد الله بن عمرو بن العاص ينظر في هذا الرجل وفي شدة عبادته، فما رأى كثير صلاة ولا صيام, فقال: ما الذي جعلك تبشر بالجنة وأنت تمشي على قدميك بين الناس؟! قال: ما أبيت وفي صدري لأحد شيئاً.
وهذه هي التي رفعته عند ربه جل في علاه، وصاحب البطاقة ما ارتقى وما نجا إلا بنقاء السريرة ونقاء القلب, وأرقى من ذلك ما اصطفى الله جل في علاه محمداً إلا بنقاء قلبه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه موقوف عليه بسند صحيح كما في سنن الدارمي وغيره أنه قال: إن الله نظر في القلوب فوجد أنقاها قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختاره نبياً وخليلاً، ثم نظر إلى القلوب فوجد أتقاها وأنقاها قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما اختار الله نبيه إلا بالقلب، وما اختار أصحابه إلا بالقلب، وهذا من جميل صنيع الصحابة، وصنيع الله مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مقياس الناس عند رب الناس هي: القلوب.
جمال الظاهر عند الصحابة قد طبقوه واقعاً يعيشون به, فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه نال ما نال، ولو أن أحدنا نال ما ناله أبو بكر لأعمل السيف في الذي أوصل له هذا الضر الشديد, فإن عائشة وهي الصديقة بنت الصديق لما تكلم عنها مسطح الذي كان ينفق عليه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ومسطح ابن خالته, وكان من المهاجرين، ومن المؤمنين الصالحين، رضي الله عنه وأرضاه، ولكنه زل زلة شديدة عندما تكلم وخاض مع الخائضين في حادثة الإفك, فقال أبو بكر: والله لأمنعن النفقة عن مسطح، فالله جل في علاه عظم قدره بجميل فعله فقال: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور:22].
فهنيئاً لك يا أبا بكر، فإن الله كلمك بالتعظيم لجميل صنعك, وانظروا إلى جميل فعله مع رسول الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وواساني بماله وأهله).
فقد أنفق ماله كله في الدعوة إلى الله جل في علاه, فكان يحوط رسول الله صلى الله عليه وسلم برعايته وبماله كله، فشكر الله له ذلك وعظمه، وتكلم معه مخاطباً إياه بالتعظيم فقال: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى} [النور:22] إلى آخر الآيات, فقال: عدت في النفقة.
فلما قال الله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:22] قال: أحب أن يغفر الله لي.
فهذا جمال صنيع أبي بكر.
وانظروا إلى ما هو أروع من ذلك، أو ما هو في روعة هذا، وهو فعل سعد بن الربيع رضي الله عنه وأرضاه، وجميل صنعه وجمال فعله بالتعبد لله بالجمال, فعندما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف قال له: أما البيت فبيني وبينك نصفين، فنقسمه بيني وبينك نصفين, وأما أزواجي فانظر إلى واحدة منهن أعجبتك أطلقها وتتزوجها.
ومع أن العرب معروف عنهم الغيرة الشديدة، إلا أنه يقول: أيتهما أعجبتك أطلقها فتتزوجها.
وأرقى جمالاً من ذلك ما فعل عبد الرحمن بن عوف، فإنه قال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، فدلني على السوق.
نسأل الله جل في علاه أن يجعلنا ممن يتعبد بصفات الله، وجمال الله، وبهاء الله، وجلال الله، وعظمة الله.