إذ سوّى في الحكم بين الحادث والأزلي، فزعم أن الحادث أزلي وأن الأزلي حادث، مع أن العلم والعقل يكذبانه ويعريان مغالطته.
على أن ادِّعاءه أن المؤمن بالله لا يدري علة وجود الله مغالطة في الحقيقة أيضاً.
فمن أصله الوجود، ووجود أزلي، فإنه لا يحتاج إلى علة لوجوده، إذ السؤال عن هذه العلة أمر مخالف للمنطق السليم، أو عبث من العبث، أو مغالطة قائمة على الإيهام بأنه حادث غير أزلي.
وهنا يطرح الملحدون على عوام المسلمين مغالطة في سوق الدليل على وجود الله، فيقولون لهم: ألستم تقولون: إن كل موجود لا بد له من موجد، وإن هذا الكون موجود فلا بد له من موجد، وذلك هو الله تعالى؟
فيقول له العامي الذي لا يعرف أصول المغالطات: بلى. عندئذ يستدرجه الملحد فيقول له: الله موجود وهو على حسب الدليل لا بد له من موجد، فيجد العامي نفسه قد انقطع إذ لم يستطع جواباً.
لكن الخبير لا يقبل أصلاً صيغة الدليل على هذا الوجه القائم على المغالطة.
وذلك لأن المقدمة (كل موجود لا بد له من موجد) مقدمة كاذبة غير صحيحة، فالخبير لا يسلم بها لفسادها، وإنما يقول بدلها: (كل موجد حادث لم يكن ثم كان لا بد لهم من محدث) ، ثم يقول: (وهذا الكون موجود حادث لم يكن ثم كان بشهادة العقل وبشهادة البحوث العلمية) عندئذٍ تتحصل النتيجة على الوجه التالي: (إذن فلا بد لهذا الكون من محدث) ، وهذا المحدث للكون لا بد أن يكون موجوداً أزلياً غير حادث، ولا بد أن يكون منزهاً عن كل الصفات التي يلزم منها حدوثه، حتى لا يحتاج إلى موجد يوجده، بمقتضى الدليل الذي أثبتنا فيه وجود الله.
فمغالطة الملحد في المقدمة التي أوهم بها قائمة على التعميم، إذ وضع (كل موجود) بدل (كل موجود حادث) ، ومعلوم أن عبارة (موجود) تشمل الموجود الأزلي والموجود الحادث.
وهكذا تجري مغالطات الملحدين، ليتصيدوا بها الجهلة والغافلين من المسلمين، بغية استدراجهم وإحراجهم، ونقلهم من مرحلة الإيمان إلى مرحلة التشكك.
فالمؤمن إذن يعلم أن الخالق موجود أزلي ليس له من الصفات ما يلزم منها حدوثه، ووجوده هو الأصل، فلا يسأل عن علة وجوده عند العقلاء أصلاً، والسؤال عن علة وجوده أمر مخالف للحقيقة العلمية المنطقية التي انتهينا إليها.
وكما لا يُسأل عمّا أصله العدم: ما هي علة عدمه؟ لأن مثل هذا السؤال لا يرد إلا على افتراض أن أصله الوجود، وهذا يناقش أن أصله العدم، كذلك ما أصله الوجود لا يُسأل عن علة وجوده ولا يبحث عنها، لأن أي سؤال أو بحث عنها لا يكون إلا على افتراض أن أصله العدم، وبهذه العلة تحول من العدم إلى الوجود، لكن هذا الافتراض مرفوض ابتداءً، باعتبار أن أصله الوجود.
وبهذا يتضح لنا تماماً أنه لا يُسال ولا يبحث عن علة وجود ما الأصل فيه الوجود.
وبهذا أيضاً تسقط المغالطة التي طرحها الملحد في مناقشته، ويظهر فساد